تقارير و تحليلات

زيادة الثروة أزمة تطفو على السطح في أمريكا .. الاحتكارات التكنولوجية تغتنم طفرة الأسهم والإغلاقات

زيادة الثروة أزمة تطفو على السطح في أمريكا .. الاحتكارات التكنولوجية تغتنم طفرة الأسهم والإغلاقات

العائلات ذات الدخل المرتفع يعتمدون على حصة واضحة من الأسهم المتداولة في البورصات.

زيادة الثروة أزمة تطفو على السطح في أمريكا .. الاحتكارات التكنولوجية تغتنم طفرة الأسهم والإغلاقات

تزايد فجوة تقسيم الثروة بين العائلات الأمريكية.

عدد الذين فقدوا وظائفهم بسبب وباء كورونا في أمريكا يعد رقما ضخما ومزعجا، وفق أي معيار من المعايير الاقتصادية، حيث بلغ 20 مليون أمريكي بحسب الرئيس جو بايدن.
لكن بايدن لم يقف عند هذا الحد، إذ كشف أيضا أن فقدان الوظائف ترافق مع تفاوت اقتصادي واجتماعي عميق في المجتمع الأمريكي، فبينما كان الأمريكيون من الطبقة المتوسطة والطبقات الفقيرة يفقدون وظائفهم شهدت ثروات نحو 650 مليارديرا أمريكيا زيادة صافية قدرت بأكثر من تريليون دولار، وبذلك بلغ إجمالي ثرواتهم أربعة تريليونات دولار، وفقا لما أعلنه الرئيس الأمريكي رسميا أخيرا.
الرقم الرسمي المعلن لتلك الثروة الطائلة لم يكن دقيقا تماما من وجهة بعض المؤسسات البحثية المرموقة في الولايات المتحدة، التي أشارت إلى أن إجمالي ثروة 650 مليارديرا بلغت في نهاية شهر أبريل الماضي 4.6 تريليون دولار، بزيادة 35 في المائة، مقارنة بثروتهم في الأول من يناير 2020 عندما بدأ وباء كورونا في اجتياح العالم، وكانت ثروتهم حينها تقدر بـ 3.4 تريليون دولار.
ووفقا للتقديرات المتاحة يوجد في الولايات المتحدة 722 مليارديرا، وربما لم ينصب اهتمام الرئيس بايدن أو المراكز البحثية على ثروات 650 مليارديرا بصفتهم الأكثر ثراء داخل تلك الطبقة أو الفئة الاجتماعية، بينما الآخرون مشكوك في حقيقة انتمائهم إلى تلك الطبقة، ويمكن وصفهم "بالمليارديرات الفقراء"، ويحتلون أدنى سلم القائمة، إذ لا يمتلكون إلا مليارا أو مليارين من الدولارات.
وبالطبع لا يعد هذا شيئا يذكر عند مقارنتهم بإيلون ماسك أو جيف بيزوس أو بيل جيتس أو مؤسسي موقع جوجل لاري بيدج وسيرجي برين، إضافة إلى وارن بافت وهؤلاء جميعا تقدر ثرواتهم بعشرات المليارات.
المثير للانتباه حقا أن بايدن كشف عن تلك الأرقام في خطابه الأخير أمام الكونجرس الأمريكي في 28 نيسان (أبريل) الماضي، وعلى الرغم من أنه ضمن في الخطاب اقتراحه بزيادة الضرائب على أصحاب الثراء الفاحش برفع معدل الضريبة على أعلى الدخول وعلى أرباح رأس المال، فإن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ارتفع 0.68 في المائة إثر كلمة الرئيس الأمريكي.
ولأن أصحاب تلك الثروات لديهم استثمارات ضخمة في عالم الأسهم وأسواق المال، ارتفعت ثرواتهم بنحو 5 في المائة، ما ترجم على أرض الواقع بزيادة ثرواتهم بمقدار 200 مليار دولار في يوم واحد.
يعلق البروفيسور ريتشارد مارك أستاذ المالية العامة في جامعة شيفيلد لـ"الاقتصادية" قائلا، "بالطبع لا غضاضة في زيادة الثروة والثراء طالما تم بطرق مشروعة يسمح بها القانون، وفي الواقع فإن النظام الرأسمالي يستمد مشروعيته وحيويته من سعيه لزيادة ثراء المواطنين، لكن المشكلة تبرز اقتصاديا واجتماعيا عندما تترافق زيادة الثروة في الولايات المتحدة مع غياب العدالة في توزيعها، وضعف الميكنزمات والآليات القانونية والاقتصادية، التي تسمح بتوزيع الثروة بشكل عادل".
ويضيف "الأمريكيون العاديون لم يؤدوا جيدا مثل المليارديرات خلال العام الماضي، بينما كان الوضع الناجم عن تفشي وباء كورونا يتطلب أن يكون الأمر بخلاف ما حدث، وأن يحقق الأمريكيون العاديون وضعا أفضل، بينما يمكن لطبقة المليارديرات أن تتحمل بعض الخسائر، هذا لم يحدث، فالدخل الجماعي لموظفي القطاع الخاص انخفض في الولايات المتحدة 3 في المائة تقريبا بالقيمة الحقيقية من منتصف آذار (مارس) 2020 إلى منتصف كانون الثاني (يناير) الماضي".
لا شك أن طفرة سوق الأسهم وسياسات الإغلاق مثلت نعمة للاحتكارات التكنولوجية، بل وساعدت على انتقال عشرات الأشخاص من فئة المليونيرات إلى فئة المليارديرات، لكنها مثلت في الوقت ذاته ضربة قاصمة لعديد من الشركات الصغيرة، فتوسع شركات مثل أمازون عملاق البيع بالتجزئة في مجال التجارة الإلكترونية جاء على حساب المئات، وربما الآلاف من الشركات الصغيرة، وقد نمت ثروة جيف بيزوس من 113 مليار دولار في 18 آذار (مارس) إلى 203 مليارات دولار في 13 تشرين الأول (أكتوبر).
يعتقد عدد كبير من خبراء الاقتصاد أن الولايات المتحدة لم تشهد من قبل مثل هذا التراكم للثروة في أيدي قلة من الأشخاص، خاصة أنه يترافق مع معاناة عشرات الملايين من الأمريكيين من الأضرار الصحية والاقتصادية الناجمة عن الوباء.
ويشير الخبراء إلى أن ضرورة تحقيق مزيد من العدالة الطبقية في المجتمع الأمريكي لا تنبع من مفاهيم وقيم أخلاقية فحسب على الرغم من أهميتها، وإنما لأن إعادة توزيع الثروة بشكل أكثر عدلا وتقاربا بين الطبقات المختلفة يسمح برفع معدلات النمو، وجعلها أكثر توازنا، إضافة إلى ما يمثله ذلك من حجر زاوية في مجال السلم المجتمعي، خاصة في ظل تركز أغلب الثروات في الولايات المتحدة في أيدي مجموعة من رجال الأعمال البيض.
من هذا المنطلق، تعلق أرين جون، الباحثة في مجال الاقتصاد الاجتماعي لـ"الاقتصادية" بالقول، "يرتبط ارتفاع عدم المساومة الاقتصادية في الولايات المتحدة بعدة عوامل منها التغيير التكنولوجي والعولمة، وتدهور النقابات، وتآكل قيمة الحد الأدنى للأجور، ولكن أيا كانت الأسباب، فإن الزيادة المستمرة لعدم المساواة منذ 1980 أثارت القلق مجتمعيا وأكاديميا وسياسيا".
وتضيف "أحد أسباب القلق أن الأشخاص في الدرجات الدنيا من السلم الاقتصادي قد يعانون تقلص الفرص الاقتصادية المتاحة لديهم في مواجهة تزايد عدم المساواة، وهذا يقلص من الفرص المتاحة لتعزيز القدرة والإمكانات الاقتصادية داخل الطبقة، التي تنتمي إليها، كما يحول دون حدوث حراك طبقي، وهذا يغلق فرص المنافسة، التي تمثل إكسير الحياة لضمان حيوية النظام الاقتصادي الرأسمالي وتجنبه الركود وخمول القدرة الإبداعية.
ويعرب بعض الخبراء عن مخاوفهم من أن دخول الطبقة المتوسطة الأمريكية لم تنم بمعدل نمو دخل الطبقات العليا، فالإحصاءات الأمريكية تشير إلى أنه خلال الفترة من 1970 إلى 2018 زاد متوسط دخل الطبقة المتوسطة من 58 ألف دولار سنويا إلى 86 ألف دولار أي زيادة قدرها 49 في المائة، وهذا أقل بكثير من الزيادة في دخول الأسر ذات الدخل المرتفع، التي قدرت بـ 64 في المائة، والتي قفزت من 126 ألف دولار 1970 إلى 207 آلاف دولار 2018، بينما لم تزد دخول الأسر، التي تنتمي إلى فئة الدخل المنخفض إلا 43 في المائة.
يشير الدكتور مارك بايرن المسؤول عن تنظيم الدورة الدراسية لمادة مكافحة الفقر في جامعة أكسفورد إلى أن فجوة تقسيم الثروة بين العائلات الأمريكية ذات الدخل المرتفع والأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض والحاد في تزايد، كما أنها باتت أكثر حدة من فجوة الدخل وتنمو بسرعة أكبر.
ويرجع الدكتور مارك ذلك إلى أن العائلات ذات الدخل المتوسط تعتمد بشكل أكبر على حصتها العقارية من المسكن كمصدر للثروة، مقارنة بالعائلات ذات الدخل المرتفع، التي تعتمد على محفظة استثمارية أكثر تنوعا، وتستند إلى حصة واضحة من الأسهم المتداولة في البورصات، ومن ثم، فإنها تحصل على حصة أكبر من ثروتها من أصول السوق المالية وحقوق الملكية التجارية، ما يجعلها في وضع أفضل للاستفادة من الانتعاش الاقتصادي السريع، الذي يلي الركود الاقتصادي.
وربما يفسر ذلك سبب ارتفاع نسب التفاوت في الدخل والثروة في الولايات المتحدة حتى مقارنة بالاقتصادات المتقدمة الأخرى، بحيث باتت الولايات المتحدة، وفقا لبعض المؤشرات تقترب من الهند شيئا فشيئا من حيث عدم المساواة بين الطبقات والفئات الاجتماعية.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات