تقارير و تحليلات

وادي السليكون الآسيوي .. تايوان مخلب قط أمريكي في مواجهة التكنولوجيا الصينية

وادي السليكون الآسيوي .. تايوان مخلب قط أمريكي في مواجهة التكنولوجيا الصينية

الأطر التنظيمية في تايوان تسهم في خلق بيئة مميزة ومزدهرة تتمحور حول التكنولوجيا.

وادي السليكون الآسيوي .. تايوان مخلب قط أمريكي في مواجهة التكنولوجيا الصينية

الأطر التنظيمية في تايوان تسهم في خلق بيئة مميزة ومزدهرة تتمحور حول التكنولوجيا.

كشف اللاعبون الدوليون في مجال التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي تحديدا، عن اهتمامهم المتزايد بتطوير مراكز أبحاث وإيجاد مرتكزات إنتاجية لهم في تايوان، مستغلين في ذلك البراعة والمهارات التي يظهرها خبراء الذكاء الاصطناعي في الجزيرة.
مع هذا، فإن أحد الأسئلة المطروحة تدور حول إمكانية أن تختار تلك الشركات الدولية مواقع آسيوية أخرى تتمتع بثقل تكنولوجي لا ينكره أحد، لكنها مع ذلك، تضع تايوان نصب أعينها، فما أسباب ذلك؟
أحد الأسباب التي تدفع شركات مثل مايكروسوفت وجوجل، للتركيز على تايوان، تعود إلى إمكانية توظيف مواهب هندسية عالية الجودة وبأسعار تكلفة منخفضة نسبيا، لكن هذا لا يعد السبب الوحيد الذي يجذبهم إلى تايوان.
فخبراء التكنولوجيا التايوانيون لهم نظراء لا يقلون عنهم خبرة وكفاءة في دول آسيوية أخرى، لكن ما يميز تايوان في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وفقا لعديد من قادة المجتمع التكنولوجي في العالم هي نظامها البيئي التكنولوجي، الذي نجحت في تشييده على مدار عقود بدعم من الجامعات والمراكز البحثية التي تعني بالتكنولوجيا والبنية التحتية لشبكات الإنترنت.
وتشير الإحصاءات الرسمية للجامعات في تايوان إلى أنها تخرج سنويا نحو عشرة آلاف متخصص في علوم الحاسوب وإدارة نظم المعلومات. ومع الانخفاض النسبي لرواتب الخرجين الجدد، التي تصل إلى نحو 1100 دولار شهريا في المتوسط، فإن تايوان تمثل نقطة جذب للشركات العاملة في مجال التكنولوجيا عامة والذكاء الاصطناعي على وجه التحديد.
لكن الخريجين في مجال علوم الحاسوب جزء من منظومة متكاملة تعمل تايوان على توسيعها لتصبح قبلة صناعات الذكاء الاصطناعي في آسيا. فقد أسست وزارة العلوم والتكنولوجيا مجموعة من مراكز الروبوتات، لتقدم مساحات ومنصات مشتركة للشركات الناشئة العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي، لإيجاد حلول للتحديات التي تواجهها، وحققت تلك المراكز أكثر من 400 مليون دولار عبر فرص التعاون التجاري الدولي.
وفي هذا السياق، يرى الدكتور صامويل جونسون أستاذ أبحاث برمجيات الذكاء الاصطناعي في جامعة أكسفورد، أنه وسط معمعة الصراع المتزايد والمنافسة الحادة بين الولايات المتحدة والصين في جميع المجالات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية، تتطلع شركات التكنولوجية الآسيوية إلى اغتنام الفرصة وتوسيع نفوذها في صناعة التكنولوجيا، وهذا ينطبق على تايوان أكثر من أي مكان آخر في جنوب شرق أو شرق آسيا.
ويقول لـ"الاقتصادية"، إنه "خلال المعرض العالمي للإلكترونيات الاستهلاكية الذي عقد في كانون الثاني (يناير) الماضي، وهو أحد أكبر المعارض التجارية العالمية لتكنولوجيا المستهلك، انخفضت مشاركة الشركات الصينية ونما حضور تايوان بشكل ملحوظ، وارتفعت مشاركة تايوان 23 في المائة. فتايوان رائدة في مجال صناعة أشباه الموصلات وشرائح الحاسوب، وتلك جوانب حاسمة في تطوير الذكاء الاصطناعي".
لكن بعض الخبراء لا يرون تقدم تايوان في مجال التكنولوجيا عامة والذكاء الاصطناعي خصوصا بمعزل عن الدعم الأمريكي لها في هذا المجال لمواجهة الصين.
وفي هذا السياق، لا ينفي أرثر فروست الخبير في مجال أبحاث الذكاء الاصطناعي، أن تايوان قد بذلت جهودا محلية ضخمة، واستثمرت بكثافة في مجال التكنولوجيا وعززت موقعها العالمي في مجال أبحاث الذكاء الاصطناعي، لكن المساندة الأمريكية دفعتها أشواطا إلى الأمام.
ويقول لـ"الاقتصادية"، إن "هناك موجة من رواد الأعمال الأمريكيين في مجال التكنولوجيا تتدفق على شواطئ تايوان، فالعشرات من رواد الأعمال العالميين يعملون على مساعدة تايوان في بناء قطاع تشغيل ديناميكي في مجال التكنولوجيا بجميع فروعها، وخلال العقد الماضي ظهرت المئات من الشركات الناشئة في تايوان، وعملت الحكومة التايوانية بمهارة شديدة على استقدام ما يعرفون بالمحاربين القدامى في مجال التكنولوجيا من الولايات المتحدة، من خلال برنامج البطاقة الذهبية للحكومة التايوانية لجذب المواهب الأجنبية".
وبالفعل، فإن البيانات الرسمية تشير إلى أنه في نهاية عام 2019 كان هناك 600 فقط من حاملي البطاقات الذهبية، لكن الحكومة أصدرت نحو 1300 العام الماضي، ومن إجمالي 2243 حاملا للبطاقة الذهبية، 240 منهم من أساطين صناعة التكنولوجيا في العالم.
ويطلق البعض حاليا على تايوان اسم "وادي السيليكون الآسيوي"، وقد يتضمن الاسم بعض المبالغة، لكنه لا يخلو من جوانب حقيقية، فالشركات الناشئة في تايوان تتعلم كيفية عولمة أعمالها من رواد الأعمال في وادي السيليكون الأمريكي، الذين ينقلون أجزاء من أعمالهم إلى تايوان، مستفيدين من التكلفة المنخفضة، إذ يقدر البعض راتب مهندس البرمجيات بربع راتب نظيره في الولايات المتحدة.
يضاف إلى تلك العوامل، الحجم الصغير للجزيرة والكثافة السكانية والبنية التحتية الممتازة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأطر التنظيمية، فجميعها تسهم في إيجاد بيئة مميزة ومزدهرة تتمحور حول منتجات وحلول لتحديات الذكاء الاصطناعي.
مع هذا، لا تبدو الصورة وردية، إذ إن هناك عديدا من التحديات الشائكة التي تواجه أهداف تايوان في أن تصبح مركزا للابتكار في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وربما أبرز التحديات تتمثل في أنه على الرغم من الإشادة بالقوى العاملة عالية الجودة في تايوان، فإنها غير كافية عدديا لتلبية الطلب المتزايد، ولا سيما بالنسبة إلى أولئك الذين لديهم خبرة في التكنولوجيا الجديدة، مثل الذكاء الاصطناعي.
ويعتقد الخبراء بأن هذا التحدي يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع في رواتب المهندسين العاملين في المجالات التكنولوجية، ما يفقد الجزيرة أحد أبرز عوامل الاستقطاب التي تتمتع بها.
لكن الدكتور ألفريد بلاس أستاذ الاقتصاد الآسيوي في مدرسة لندن للاقتصاد، يعتقد بأن تلك المشكلة يمكن التغلب عليها عبر مجموعة من الإجراءات التي تمنح الأقسام الجامعية المتخصصة في مجال التكنولوجيا جاذبية أكبر للطلاب، إضافة إلى أن قوى العرض والطلب المنظمة لسوق العمل يمكنها ضبط تلك المعضلة.
ومن وجهة نظره، فإن المشكلة الأكبر تنبع مما يعده حربا اقتصادية صينية على قطاع التكنولوجيا في الجزيرة، سواء عبر سرقة حقوق الملكية الفكرية أو إغراء واستقطاب الخبرات عالية الكفاءة، وهو ما دفع البرلمان التايواني مؤخرا إلى البحث في إصدار تشريعات لمنع ما يععدونه هجمة صينية على بلادهم لسرقة قدراتها التكنولوجية.
ويقول لـ"الاقتصادية"، إن "مكتب الأمن القومي التايواني يلقي باللوم على الصين في معظم حالات التجسس الاصطناعي، ووزارة الاقتصاد التايوانية أشارت في أحد تقاريرها إلى ما وصفته بالجهود الصينية للصيد غير المشروع للمواهب التايوانية، والحصول على الأسرار التجارية الاصطناعية للإضرار بالقدرة التنافسية لتايوان".
بطبيعة الحال، تجد تلك الاتهامات إنكارا صينيا، يصل إلى حد اتهام بكين لتايوان بأنها ليست أكثر من مخلب قط في يد الإدارة الأمريكية، لسرقة أسرار الصين التكنولوجية. هذا الصراع بين البلدين ربما لا يصب في مصلحة الطرفين، لكن إذا لم تتصد له تايوان سريعا، فربما تخرج منه باعتبارها الخاسر الأكبر في مجال الصناعات التكنولوجية والذكاء الاصطناعي.
يشار إلى أنه في شباط (فبراير) الماضي، وبينما كانت دول العالم تطرق أبواب تايوان طلبا للمساعدة في حل أزمة نقص إمدادات الرقائق الإلكترونية اللازمة لعدد كبير من الصناعات، دخل وزير الصحة التايواني في صدام الصين بشأن اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد.
وكتب المحلل الأمريكي آلان كروفورد بالاشتراك مع ديبي وو، وإيان ماربو، تقريرا نشرته وكالة "بلومبيرج" للأنباء، قالوا فيه إنه بعد هذا السجال بثلاثة أشهر، ومع بداية الشهر الحالي، دفعت تايوان ثمن نقص اللقاحات لديها، بارتفاع أعداد الإصابات الجديدة بفيروس كورونا المستجد والتهديد بإعادة فرض إجراءات الإغلاق مجددا.
وأضاف، "وبعد أن نجحت تايوان في تجنب الموجة الأولى من الجائحة تقريبا، تواجه الحكومة طوارئ صحية في ظل تطعيم 1 في المائة، فقط من السكان ضد الفيروس، وما يعني ذلك من اضطراب صناعة الرقائق الإلكترونية، التي تعد عصب الاقتصاد التايواني، في الوقت الذي يعاني فيه العالم بالفعل نقصا شديدا في إمدادات الرقائق الإلكترونية".
وربط رئيس مكتب التمثيل التايواني في نيويورك بين أزمة نقص اللقاحات في بلاده وتراجع إنتاج الرقائق، حيث حذر من أزمة في إمدادات الرقائق لدول العالم إذا لم تحصل بلاده على كميات كافية من اللقاحات.
في المقابل، فإن أزمة الرقائق الحالية دفعت حكومات الدول الكبرى إلى تشجيع الاستثمار في تصنيع الرقائق محليا بدلا من الاعتماد على استيرادها، وهو ما يمكن أن يهدد مكانة تايوان في هذه السوق على المدى الطويل.
وبدت الأمور في مطلع العام الماضي أن أزمة الرقائق، التي تؤثر في عدد كبير من الصناعات بدءا من أجهزة ألعاب الحاسوب حتى صناعة السيارات، فرصة لتعزيز النفوذ الإقليمي لشركة تايوان سيميكونداكتور مانيفاكتشورينج كومباني "تي. إس. إم. سي" التايوانية، أكبر منتج لأحدث الرقائق في العالم. وتمتلك ما يصل إلى 56 في المائة، من القدرات التصنيعية لتصنيع الرقائق التي تصممها شركات الإلكترونيات، مثل آبل وكوالكوم، لمصلحة هذه الشركات.
ولكن تايوان واجهت حظا عاثرا، فجائحة كورونا جاءت في الوقت الذي سببت فيه موجة الجفاف نقصا في إنتاج الكهرباء وزيادة الغموض الاقتصادي، وتراجع البورصة التايوانية التي كانت الأفضل أداء بين بورصات العالم خلال الأعوام الأربعة الماضية حتى كانون الثاني (يناير) الماضي.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات