default Author

أين أمي؟

|
زغرودة طويلة أطلقتها امرأة في باحة وزارة التربية والتعليم في السودان قبل أعوام عندما فوجئت بوجود اسمها مكتوبا في الشهادة الثانوية لابنها، وكانت الفرحة تغمرها وعدت أن ذلك ثمرة كفاحها في تربية وتعليم ابنها، خاصة أن والده يعمل في الخارج منذ 17 عاما. ورغم أن سبب وضع اسم الأم كان للحد من تزوير الشهادات - آنذاك - إلا أن الموضوع أكبر من ذلك، وإلا لطالبنا بوضع اسم الأم في شهادة طلاب الصفوف الأولية، بالذات خلال جائحة كورونا، فهي من تعبت وسهرت وجمعت بين وظيفتها أو عملها المنزلي وحضور صفوف أبنائها!
تلك الزغرودة، وما حدث معي بالأمس، جعلني أتساءل أين اسم أمي في الأوراق الرسمية؟!
أين ذهبت "فلانة"؟
نبحث عن أسماء أمهاتنا في سجلاتنا فلا نجدها ـ شيء غريب ـ ليس هناك ما يثبت أن أمك هي أمك أو أنك ولد فلانة إلا شهادة الميلاد أو دفتر العائلة - إن وجدت، خصوصا للأجيال القديمة، ومثل ذلك يحدث في أغلبية الدول العربية، حيث إن عائلة الأم لا تدون على أي شهادة ميلاد أو ورقة ثبوتية! ولتثبت أنك ابن فلانة لا بد لك أن تطلب "برنت" من الأحوال وبشكل رسمي، والأغرب أن جوازات السفر السعودية قديما كان يذكر فيها اسم الأم ثم اختفى فجأة!
الخلاف على ذكر اسم الأم أمام الناس أو قول ولد فلانة، قائم منذ زمن ولا يختص بنا نحن هنا، بل يعد ظاهرة منتشرة لدى أغلب الشعوب العربية، حيث يخجلون من ذكر اسم الأم أو الأخت، ويعدونه معيبا، لأنها شيء خاص وسري للغاية، حتى لو خرج البعض وقال عكس ذلك، إلا أن الواقع ينفي مزاعمه، فالظاهرة موجودة إلى يومنا هذا رغم كل جهود تمكين المرأة.
وعلى الرغم من أن العربي قديما كان يفخر بأمه وأخته ولا يخجل من ذكر اسمهما، بل "يعتزي" باسم أخته بقوله أنا أخو "فلانة"، كناية عن شعوره بالاعتزاز لسيرتها وأنه سندها وحاميها، إلا أننا لا نعلم متى تسربت إلى مجتمعاتنا هذه الظاهرة، فالملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - يعرف بأنه أخو نورة، وأمير الكويت - رحمه الله - اشتهر بأنه أخو مريم، وأهل ظفار العمانية يعتزون بأمهاتهم وأخواتهم فيقول أحدهم، "أنا ابن فلانة" أو أخو فلانة!
نريد فقط أسماء أمهاتنا في بطاقة الأحوال أو جواز السفر، حتى دفتر العائلة لا يغني عنهما، لأن الأب يمكن أن يكون متزوجا بأكثر من واحدة، كما أن المرأة يمكنها استخراج دفتر عائلة، إلا أن كثيرا منهن لا يرغبن في الحصول عليه إلا للضرورة.
إنشرها