الاستثمار في شركات الأدوية والتكنولوجيا الحيوية
من أهم طرق الاستثمار في الأسهم القيام بدراسة قطاعات معينة بهدف معرفة طبيعة عملها وما يحدث فيها من تطورات وبالتالي اكتساب الشخص ميزة نسبية مختلفة عن كثير من المستثمرين. من تلك القطاعات هناك قطاع الرعاية الصحية، وبشكل خاص قطاع شركات الأدوية والتكنولوجيا الحيوية.
في هذا التقرير نلقي الضوء على هذه الشركات من حيث طريقة عملها وما تتميز به عن غيرها من شركات القطاع، وما نوع الأدوية التي تقوم بتطويرها، وما فرص الاستفادة من تلك المعلومات للمستثمرين، ونختتم بطرح بعض الأمثلة لشركات لديها منتجات واعدة وتستحق المتابعة.
الفرق بين شركات الأدوية وشركات التكنولوجيا الحيوية
التكنولوجيا الحيوية هي استخدام علم الأحياء لدراسة الكائنات الدقيقة مثل الميكروبات والفيروسات والبكتيريا والخلايا الحية، لاكتشاف طبيعة الأمراض ومسبباتها، واختراع طرق ووسائل وأدوية لعلاجها بهدف تحسين حياة الإنسان. الشركات التي تعمل في هذا المجال تقوم بدراسة الحمض النووي وخلايا الجسم لتكتشف من خلال ذلك طرقا مختلفة لتعديل التركيبة الجينية، بحيث يمكن تحفيز الجسم للتصرف بشكل معين أو لاكتساب صفات معينة أو للقيام بوظائف معينة، مثلا تحفيز الجسم لزيادة إنتاج الإنسولين لمرضى السكري.
من أمثلة نشاطات التكنولوجيا الحيوية هناك بالطبع تطوير اللقاحات، مثل لقاح كورونا "كوفيد - 19"، حيث يقوم العلماء في هذه الشركات بتحضير منتجات كيميائية تساعد الجهاز المناعي للإنسان على محاربة الفيروسات، وهذه تتم من خلال دراسة التركيبة الجينية للفيروس للتمكن من إنتاج اللقاح المناسب، الذي قد يكون مأخوذا من الفيروس نفسه، حيث يتم إدخاله إلى الجسم ليتمكن الجهاز المناعي من التعرف على تركيبة الفيروس، وبالتالي يستطيع مقاومة الفيروس الحي فيما لو تعرض له الإنسان لاحقا. كذلك تعمل هذه الشركات على تطوير المضادات الحيوية من النباتات أو غيرها من الكائنات، إلى جانب استخدام هندسة الجينات في تطوير نباتات ذات صفات معينة، مثلا لزيادة الإنتاج وسرعة التثمير أو لزراعة نباتات تتحمل ظروفا مناخية قاسية أو لمقاومة أمراض معينة، وهكذا. كذلك تستخدم التكنولوجيا الحيوية في العمليات الصناعية من خلال أنزيمات ومحفزات كيمياوية بحيث يمكن تقليص تكلفة بعض العمليات الصناعية المتعلقة، على سبيل المثال، بالأخشاب والبلاستيك والأنسجة وغيرها، ورفع درجة الأمان والسلامة عند استخدامها.
الوظيفة الرئيسة لشركات الأدوية بالطبع هي إنتاج الأدوية سواء بالطرق التقليدية أو من خلال ما يتم اكتشافه وتطويره من قبل شركات التكنولوجيا الحيوية. فمثلا كثير من اللقاحات والعلاجات تم اكتشافها وتطويرها من خلال مستحضرات عشبية ونباتات، أو من خلال عصارات هرمونية من الغدد أو بعض أعضاء الجسم أو من بعض الأحماض، واستخدمت هذه المستحضرات منذ القدم في علاج نوبات الربو وأمراض القلب وارتفاع الضغط وكمسكنات ولمعالجة أعراض مرضية أخرى.
مراحل الحصول على موافقة هيئة الدواء والغذاء الأمريكية
هيئة الدواء والغذاء الأمريكية مسؤولة عن إجازة عدد من المنتجات الغذائية والدوائية واللقاحات والعلاجات الجينية، وكذلك بعض الأجهزة الطبية والأجهزة الإلكترونية، إلى جانب الأغذية الحيوانية والأدوية الخاصة بها، وأخيرا في ترخيص منتجات التبغ والسجائر.
تمر عملية إنتاج الأدوية أولا بمرحلة داخلية، قبل تقديم ملف الدواء إلى هيئة الغذاء والدواء، وهي تحدث عندما يكتشف الباحثون إمكانية تطوير علاج جديد لأحد الأمراض أو تحسين جودة علاج قائم، أو من باب الصدفة قد يكتشفون فائدة معينة لنبات أو مركب كيميائي، فيقومون بدراسة المنتج ومعرفة خصائصه وطرق استخدامه وفاعليته. يبدأ الباحثون بإجراء التجارب في المختبر على عينات من خلايا الإنسان أو على حيوانات حية وبعد التأكد من عدم وجود مضار وأخطار واضحة، تبدأ عمليات التجارب المختبرية تحت إشراف هيئة الدواء والغذاء.
للحصول على ترخيص هيئة الدواء والغذاء تمر عملية تطوير الدواء بـ 3 مراحل رئيسة:
المرحلة الأولى: نحو 70 في المائة من الأدوية تجتاز هذه المرحلة التي تستمر لأشهر قليلة وتكون التجارب فيها على 20 إلى مائة شخص طبيعيين لا يعانون المرض المستهدف، والهدف من هذه المرحلة التأكد من سلامة الدواء والجرعات المناسبة.
المرحلة الثانية: نحو 30 في المائة من الأدوية تجتاز هذه المرحلة التي غالبا تستغرق بضعة أشهر إلى عامين، يعطى فيها الدواء لمئات الأشخاص ممن لديهم المرض المستهدف علاجه، والهدف هنا معرفة فاعلية الدواء ورصد أي أعراض جانبية له.
المرحلة الثالثة: نحو 25 في المائة من الأدوية تجتاز هذه المرحلة المهمة التي من بعدها يمكن تسويق الدواء، ويشارك في هذه المرحلة من 300 إلى ثلاثة آلاف شخص مصاب بالمرض وتستمر لعدة أعوام، وذلك للتحقق من سلامة الدواء على المدى الطويل.
إذن الفكرة هنا أن من يرغب في الاستثمار في هذه الشركات عليه أن ينظر إلى المنتجات التي لديها، وفي أي مرحلة يمر كل منتج، وبالطبع يعد اجتياز المرحلة الثالثة من أهم الخطوات التي يهتم بها المستثمرون.
عدد الأدوية التي تحصل على الترخيص اللازم للبدء في الإنتاج التجاري والتسويق ليس بكثير، كما هو موضح في جدول عدد الأدوية الجديدة المرخصة، غالبا في حدود 20 إلى 40 دواء سنويا. أما تكلفة تطوير الدواء الواحد فهي تقدر بنحو 2.5 مليار دولار، ما يدل على ضخامة المبالغ التي تحتاج إليها هذه الشركات وارتفاع حدة المخاطرة في أعمالها. لكن إن تم بالفعل ترخيص الدواء وكان الدواء مطلوبا بشكل كبير من قبل الأطباء والمستشفيات حول العالم فمن الممكن أن يحقق ربحية عالية للشركة.
على سبيل المثال، من أشهر الأدوية التي تحقق مبيعات سنوية عالية هناك دواء "هوميرا" من شركة AbbVie التي انفصلت عن شركة Abbot Labs المعروفة، حيث بلغت مبيعات هذا الدواء المستخدم في علاج الروماتيزم عام 2020 نحو 20 مليار دولار. ودواء "كيترودا" المستخدم في علاج أنواع من السرطان بلغت مبيعاته 14 مليار دولار. ولذا فإن نجاح أي شركة في اكتشاف علاج مناسب لأي من الأمراض المزمنة أو المستعصية بلا شك سيحقق أرباحا كبيرة للشركة المصنعة، وهذا ما يبحث عنه مستثمرو شركات الأدوية.
طبعا هناك أدوية أخرى لديها مبيعات أكبر من ذلك، لكنها أدوية انتهت براءات اختراعها وهي تصنع كأدوية تجارية من قبل عدة شركات، مثل أدوية الصداع والمسكنات.
لقاحات كورونا المستجد
عندما بدأ ينتشر فيروس كورونا المستجد، بدأت تتحرك شركات الأدوية حول العالم لدراسة الفيروس الجديد والكشف عن تركيبته الجينية ومن ثم العمل على إيجاد أدوات فحص وأدوية ولقاحات، وهنا وجدت الشركات المتخصصة فرصة كبيرة لتوظيف ما لديها من خبرات تراكمية وطرق بحث ومختبرات للظفر بجزء من الإيرادات الكبيرة المتوقعة في هذا المجال. وبسبب الأزمة العالمية والاهتمام الكبير بسرعة إيجاد لقاح فعال، تم التعرف على السلسلة الجينية للفيروس بسرعة غير مسبوقة، ومن ثم بدأت الشركات في العمل.
العمل على إيجاد لقاح فعال ضد فيروس كورونا المستجد انطلق لدى مئات الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا الحيوية، بعضها شركات معروفة مثل شركات الأدوية الكبيرة، وبعضها شركات صغيرة. حتى الأسبوع الماضي بلغ عدد اللقاحات والأدوية المتعلقة بكورونا نحو 1200 منتج تمر بمراحل مختلفة من عملية التطوير، منها تسعة منتجات لشركة ImmunoPrecise Antibodies الأمريكية وكذلك تسعة منتجات لشركة GlaxoSmithKline البريطانية.
بالنظر إلى أكبر الشركات التي حققت أعلى ارتفاع في أسعار أسهمها لعام 2020 نجد أن عددا كبيرا منها كان شركات تكنولوجيا حيوية، حيث حقق بعض منها ارتفاعات بعشرة أضعاف و20 ضعفا وأكثر، وهذا يدل على مراهنة فئات من المستثمرين على نجاح هذه الشركات في التوصل إلى لقاحات وعلاجات، خصوصا تلك المتعلقة بفيروس كورونا المستجد. انظر إلى الجدول الخاص بحركة أسهم بعض أهم شركات اللقاحات خلال عام واحد وهي الشركات التي بالفعل توصلت إلى لقاحات فعالة.
أهمية براءات الاختراع لشركات الأدوية
بما أن شركات الأدوية والتكنولوجيا الحيوية تمضي أعواما طويلة في البحث وتتكبد مصروفات كبيرة وأحيانا خسائر كبيرة، فمن الطبيعي أن يتم حصولها على براءات اختراع تمنع غيرها من تصنيع المنتج نفسه، إلا بعد أن تنتهي فترة الاختراع. تختلف فترة الحماية التي تمنحها براءة الاختراع من دولة إلى أخرى، وتصل أحيانا إلى 20 عاما، وغالبا تكون لمدة عشرة أعوام ويتم تمديدها حسب الظروف. وبالطبع شركات الأدوية تفضل أن تكون المدة طويلة وأن يتم تمديدها لتتمكن من تطوير المنتج مع مرور الأعوام، بدلا من التوقف عن البحث والتطوير عندما تنتهي فترة الحماية.
لذا على المستثمر متابعة المدد المتبقية لانتهاء براءات الاختراع للأدوية المملوكة للشركات، وكذلك الأخذ في الحسبان الشركات التي لديها أكثر من منتج ومعرفة مدة الحماية المتبقية لكل منتج.
بعض الشركات التي تستحق المتابعة في عام 2021
هناك عدد كبير من الصناديق المتداولة المعنية بشركات التكنولوجيا الحيوية، مثل IBB، ARKG، XBI، وXPH، وهذا الأخير مرفق الرسم البياني لحركة سعره للأعوام الخمسة الماضية.
أما من يستطيع متابعة شركات بعينها، فيمكنه التركيز على عدد محدود منها، ويأتي التفوق هنا للشخص الذي يملك الخلفية العلمية الكافية لمتابعة تطور التجارب المختبرية للمنتج وما يصدر من أخبار عنه من هيئة الدواء والغذاء.
على سبيل المثال، في الرسم البياني الخاص بشركة "بايومارين"، لاحظ هبوط السهم خلال يومين متتاليين بنسبة نحو 60 في المائة بسبب صدور بيان من الهيئة برفض نتائج المرحلة الثالثة من دواء "روكتافيان" المستخدم في علاج أمراض الدم. وهناك حالات تأتي عكس ذلك تماما حين يتم الإعلان عن قبول نتائج المرحلة الثالثة، أو حتى المرحلتين الأولى أو الثانية.
من الشركات الواعدة لمن يرغب في القيام بمزيد من البحث والمتابعة، وهي شركات لديها تجارب في مراحل مختلفة ومتوقع إعلانات خاصة ببعض نتائجها في الأشهر القليلة المقبلة، شركة SAGE المتخصصة في معالجة الجهاز العصبي ولديها أدوية لعلاج الاكتئاب، وشركة ARGX لديها علاجات للمناعة والسرطان، وشركة INCY لديها عدد من الأدوية في مجال الحساسية الجلدية والالتهابات.
من المهم التفريق بين اجتياز المرحلة الثالثة من التجارب والحصول على موافقة هيئة الغذاء والدواء من جهة وبين النجاح التجاري للدواء من جهة أخرى. ترخيص الهيئة فقط يعني أن الدواء استوفى متطلبات الترخيص من حيث سلامة المنتج وفاعليته ومعقولية أعراضه الجانبية، لكن قد تكون هناك أدوية منافسة أو بديلة، وقد لا يجد الدواء قبولا من الأطباء الذين هم من سيكتب وصفته للمريض في نهاية الأمر. هذه الصعوبة التسويقية هي التي تجعل البعض يشك في مهنية بعض الأطباء الذين يواجهون ضغوطا من شركات الأدوية، إما بشكل مباشر وفردي أو من خلال تكثيف الشركات المصنعة للدعايات والطرق التسويقية للتأثير في قرارات هؤلاء الأطباء. وهنا مرة أخرى تأتي أهمية كون المستثمر مطلعا بشكل كاف على طبيعة الدواء وفرص نجاحه لدى الأطباء والمستشفيات والصيدليات.
خاتمة
مجال الأدوية والتكنولوجيا الحيوية مجال كبير جدا، يقدر حجم سوقه في عام 2020 بنحو 1.3 تريليون دولار، والشركات العاملة فيه تتميز بإمكاناتها العالية ومهارات الباحثين لديها لاكتشاف وإنتاج وتسويق منتجات علاجية متنوعة، تكون بمنزلة أصول ضخمة لهذه الشركات تدر عليها إيرادات لأعوام طويلة. هناك شرائح من المستثمرين يركزون على هذا القطاع ويدرجون بعضا من هذه الشركات في محافظهم الاستثمارية. وللشخص غير المتخصص يمكن الاستثمار في أحد الصناديق المتداولة التي عادة تستثمر في عدة شركات وتتيح للشخص شراء مجموعة من الشركات في سهم واحد.
وذكرنا أن على المهتم بهذا المجال، التعرف على نشاطات كل شركة ومعرفة ما لديها من منتجات قائمة وتحت التطوير، ومن ثم متابعة سير العملية التطويرية لتلك الأدوية ورصد أخبار هيئة الغذاء والدواء المتعلقة بسير التجارب.