Author

فلسطين في قلوبنا .. والتاريخ يشهد

|
لقد نشأنا على حب فلسطين، وتربينا وتلقينا دروسا في مدارسنا الابتدائية والمتوسطة والثانوية عن أهمية فلسطين، وضرورة الإسهام في تحريرها، وتمكين إخوتنا في العروبة والإسلام من استعادة حقوقهم المسلوبة جورا وظلما، وفي الجامعة وما بعدها تعزز في نفوسنا شعور عميق تجاه فلسطين.
وتشير الوثائق والسجلات التاريخية إلى أن كثيرا من المدن والقرى في المملكة كانت تسهم في مساعدة أهلنا في فلسطين منذ وقت مبكر في منتصف القرن الميلادي المنصرم، فهناك سجلات عن تبرعات الأسر والأفراد في قرى نجد وغيرها. هذا على المستوى الشعبي، أما على مستوى حكومة المملكة، فقد قامت بدور عظيم من حيث الدعم المعنوي والمادي، وتسعى دوما لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني في تحقيق طموحاته لبناء دولته.
لا يمكن في مقالة مختصرة كهذه استعراض المواقف المشرفة للمملكة وأبنائها تجاه قضية فلسطين منذ عهد المؤسس - طيب الله ثراه - إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - يحفظه الله -، وقد قال الملك عبدالعزيز عام 1941: "إننا ما ننام ليلة إلا وأمر المسلمين يهمنا، يهمنا أمر إخواننا السوريين وأمر إخواننا الفلسطينيين، لأننا نرى أنهم منا ونحن منهم". وقبل ذلك عام 1936 أمر بإرسال مساعدات عاجلة من الأموال والمؤن إلى أهل فلسطين. وفي عام 1967، شكّل الملك سعود لجانا شعبية لمساعدة مجاهدي وأسر شهداء فلسطين عقب نكسة 1967، وعهد برئاستها لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، عندما كان أميرا لمنطقة الرياض، وذلك من خلال 12 مكتبا منتشرة في أرجاء المملكة. ونافح الملك فيصل - يرحمه الله - عن قضية فلسطين في كل محفل دولي، مؤكدا أن قضية فلسطين هي قضية كل المسلمين. وأكد الملك عبدالله - يرحمه الله - في قمة القدس، أن القدس الشرقية قضية عربية غير قابلة للتنازل والمساومة. واقترح - يرحمه الله - مبادرة السلام العربية التي اعتمدتها الدول العربية في قمة بيروت عام 2002 لحل الصراع العربي - الإسرائيلي وتوفير الأمن والاستقرار لجميع شعوب المنطقة. ويتجلى موقف المملكة الثابت تجاه فلسطين في تأكيد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - يحفظه الله -: "أن من أولويات سياسة المملكة ومبادئها السعي لإيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية وفق مبادرة السلام العربية، وستواصل المملكة جهودها دعما لهذه القضية من أجل إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وإعادة الحقوق للشعب الفلسطيني الشقيق".
ورغم جهود المملكة الكثيرة، وجهود الدول العربية الأخرى، خاصة الخليجية، إلا أن هناك نفرا من الفلسطينيين يريد الفرقة بين الشعوب العربية من خلال إطلاق مقاطع فيديو تنضح بالحقد على أبناء الخليج، ولا شك أن هذه الرسائل المصورة التي تتداولها مواقع التواصل الاجتماعي لا تعكس آراء معظم الفلسطينيين، لكنها أيضا لا تخلو من دلالات مهمة، ولم تأت من فراغ، لذلك تثير بعض التساؤلات في أذهان كثيرين عن: سبب هذا الحقد والكره للدول العربية عموما والخليجية خصوصا؟ وما أهدافه؟ وأهم من ذلك، هل هذا الحقد يخدم القضية الفلسطينية؟ وهل يجلب مزيدا من التعاطف والدعم؟ أليس هذا السلوك وأمثاله يسهم في انكماش التعاطف ويقلل المودة بين الشعوب العربية؟
في هذا السياق، أتمنى من الفلسطينيين عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والتركيز على قضيتهم وإبرازها بأسلوب واضح ومؤثر يجلب الاهتمام بها، بدلا من التباكي وتوجيه اللوم للآخرين على التفريط في حقوقهم، مع تنصلهم هم من المسؤولية في مراجعة أسباب تدهور أوضاعهم، وأسباب اختراق "الموساد" للفصائل الفلسطينية، وكذلك سر انتشار الفساد والخيانات التي تتكشف يوما بعد آخر. إن لوم الآخرين لن يخدم القضية مطلقا، فعند تأسيس الكيان الصهيوني كان كثير من الدول العربية تحت الاستعمار، وبعضها الآخر كان قليل القوة والحيلة لأنه في مرحلة التأسيس. ورغم ذلك أسهم من يستطيع بالمال والرجال في حروب فلسطين، كما أنها اليوم ليست دولا عظمى حتى تتلقى اللوم والانتقاد صبحا وعشية من قبل بعض أبناء فلسطين.
الخلاصة: ينبغي أن يعمل الفلسطينيون في إبراز قضيتهم بأسلوب واضح وموثق ومقنع، وأن يركزوا على تنمية الإنسان، ومحاربة الفساد، وإرساء دعائم الديمقراطية لاختيار قيادات فاعلة ونزيهة، بدلا من تبني أيديولوجيات متصارعة. كما أتمنى تبني موقف صديق لجميع الدول الداعمة لقضيتهم، وفي مقدمتها الدول العربية. وأخيرا: نشارك أهلنا في فلسطين آلام العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، وندعو لهم بالنصر المؤزر، وللشهداء بالرحمة والمغفرة، بإذن الله.
إنشرها