Author

خفض هدر الطعام

|
تقدر منظمة الأغذية والزراعة الدولية أن ثلث الإنتاج العالمي من الأغذية يفقد في سلسلة إنتاج وتصنيع وتسويق واستهلاك الطعام. أي أن العالم يخسر نحو 1.3 مليار طن من الغذاء سنويا؛ تمثل 24 في المائة من سعرات الطعام الحرارية العالمية. يمكن للكميات المهدرة سد رمق كل الجوعى حول العالم وتسجيل فوائض عن حاجاتهم. تضيع كميات هائلة من الطعام في جميع مراحل وسلاسل الطعام. وتشير تقديرات بعض المصادر إلى هدر ما يقارب 30 في المائة في مراحل الإنتاج الزراعي والصناعي، كما يفقد نحو 20 في المائة في مراحل النقل والتسويق، ونحو 35 في المائة في مرحلة الاستهلاك. تسهم الحبوب بأكثر من نصف فاقد الطعام، تليها الجذور والدرنيات؛ كالبطاطس، ثم الفواكه والخضراوات، وكميات أقل من اللحوم، وذلك إذا قيست على أساس السعرات الحرارية، أما إذا قيس الفاقد على أساس الوزن، فإن الفواكه والخضراوات تمثل 44 في المائة من الأطعمة المهدرة، تليها الجذور والدرنيات.
تشترك دول العالم في هدر الطعام وتسهم الدول المتقدمة والدول النامية بكميات قريبة من بعضها بعضا في هدر الطعام، لكن معدلات هدر الطعام للفرد في الدول المتقدمة تقارب ضعف كميات هدر الطعام في الدول النامية. ويقدر بعض المصادر أن القيمة الاقتصادية للطعام المهدر حول العالم تقارب تريليون دولار سنويا، إضافة إلى الأضرار البيئية والجانبية الأخرى التي تصل تكاليفها إلى نحو 1.5 تريليون دولار.
معضلة هدر الطعام مشكلة عالمية تحدث في كل الدول وتجذب مزيدا من الاهتمام مع زيادة وعي السكان واهتمام صناع السياسات والمؤسسات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني. وتحاول جهات متعددة التصدي لهذه المعضلة في جميع مراحلها من خلال تبني طرق استدامة الإنتاج والاستهلاك وتدوير بقايا الطعام. ويعد الحرص على سلامة المستهلكين أحد أبرز أسباب هدر الطعام، حيث يتخلص من كميات هائلة من الطعام للحفاظ على صحة المستهلكين من الأطعمة الفاسدة أو الملوثة أو منخفضة الجودة. وهذا يتطلب التعامل مع مسببات فساد وتلوث الأطعمة والحد منها قدر المستطاع، وذلك من خلال تطوير واستخدام تقنيات حفظ وسلامة تخزين ونقل الطعام؛ كالتبريد والتهوية والتغطية المناسبة في جميع مراحل سلسلة إنتاج ونقل وتسويق واستهلاك الطعام. وتتحمل المؤسسات العامة المشرفة على سلامة المنتجات الغذائية مسؤوليات تطوير معايير وأنظمة آليات صحة وسلامة الأطعمة في جميع مراحل الغذاء مع الحرص على خفض الهدر إلى أدنى حد ممكن.
يمكن أن يوفر تطوير البنية الأساسية في نقل وإنتاج الطعام الكثير من الهدر، لذلك تمثل الطرق الجيدة ووسائل النقل الحديثة والمهيأة لنقل الطعام وتخزينه وتوزيع الطعام أهمية كبيرة في خفض الهدر. إضافة إلى ذلك، تلعب الاتصالات دورا متزايدا في نواحي الحياة كافة، ومنها سلسلة إنتاج وتوزيع واستهلاك الطعام. ويمكن للتسويق أيضا أن يسهم في خفض هدر الطعام من خلال الالتزام بأساليب التحكم في الجودة والإمدادات والتغليف المخفضة للهدر. وتهدر كميات كبيرة من الطعام في الحقول بسبب عدم توافر العمالة أو وسائل النقل المناسبة أو تراجع الأسعار أو الآفات أو استخدام معدات وتقنيات مهدرة للطعام. وهذا يتطلب التعامل الفعال مع هذه الإشكالات وتطبيق سياسات وحلول مناسبة لتقليل الهدر لأقصى حد ممكن.
تمثل التطورات التقنية أملا متزايدا في خفض هدر الطعام. وتجري محاولات جادة وجريئة لتطوير تقنيات معززة لخفض هدر الطعام. ويلعب التدوير دورا مهما في خفض هدر الطعام والاستفادة منه في مراحل الإنتاج والاستهلاك. ويمكن تدوير كثير من بقايا وفوائض إنتاج وتصنيع وتسويق الطعام لأغراض متعددة؛ كأعلاف للحيوانات أو لإنتاج منتجات أخرى أو طاقة أو أسمدة. وقد طور مثلا أحد رجال الأعمال اليابانيين تقنيات لتحويل بعض الخضراوات التي يعزف المستهلكون عن شرائها إلى رقائق تستخدم كلفائف للطعام.
يمكن للأسر والأفراد أن يسهموا بفعالية في خفض الهدر من خلال الحرص على الاستفادة من كل مكونات الطعام، والتخلي عن عادات وممارسات هدر الطعام، واستخدام تقنيات الاستفادة من الطعام وبقاياه والتبرع بالفائض منه. كما يمكن أن يساعد حسن التسوق والتخطيط الجيد له على تقليل هدر الطعام من خلال خفض مشتريات الطعام إلى المستويات المناسبة وزيادة مرات التسوق. ويتطلب التعامل الأمثل مع هدر الطعام نشر ثقافة وطرق وأساليب خفض هدر الطعام والمعلومات الداعمة للوعي المجتمعي حول أهميته، وكذلك إنشاء ونشر ودعم المؤسسات الخيرية المتخصصة في الاستفادة من فوائض الطعام.
تلعب الأنظمة والمتطلبات العامة دورا مهما في خفض هدر الطعام وتفرض بعض الدول غرامات على هدر الطعام في المطاعم والأماكن العامة. كما قد يلزم المستهلكون بفصل الطعام عن باقي القمامة للاستفادة منه في مراحل التدوير. يمكن أيضا تطوير معايير زراعة وصناعة ونقل وتسويق الأغذية لتقليل الهدر لأقصى حد ممكن. ومن المتوقع أن تولي دول العالم مزيدا من الاهتمام بقضايا هدر الطعام، وبتبني مزيد من السياسات والإجراءات لخفض الهدر، خصوصا مع اعتبار خفض هدر الطعام أحد أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. ويتطلب الهدف 12.3 من أهداف التنمية المستدامة خفض معدلات هدر الطعام للفرد على المستوى العالمي إلى النصف خلال مراحل الاستهلاك والتجزئة بحلول 2030، وكذلك خفض الهدر في سلاسل الإنتاج والإمداد.
إنشرها