صناعة الأجيال

يبقى أثر المعلم محفورا في ذهن وقلب الطالب طول العمر، بل إن معلمي الصفوف الأولية هم الأكثر حظا في هذا المجال. لا تخلو ذاكرة شاب ولا شيخ من ذكرى متعلقة بالتعليم الأولي، تسهم هذه الذكريات في حالات كثيرة في تكوين شخصية الطالب وتبني استيعابه وطريقة فهمه للعالم من حوله، وهذا سبب الأهمية الكبرى التي يجب أن تعطى لاختيار ومكافأة معلمي الصفوف الأولية. هذا الموضوع بالذات هو محور اهتمام المختصين في مجال التربية.
عندما تحضر في هذه المراحل روح الإبداع، والعمل الدؤوب في تكوين الشخصية المحببة للمجتمع، تظهر نتائج منها ما نلاحظه من حب والتزام وإبداع في حضارات معينة، قد تكون الحضارة اليابانية واحدة من شواهدها. تحدث كثيرون عن هذه الحضارة وإسهام كل مكونات المجتمع في بناء الشخصية الفذة لهذه الحضارة، وأسهب المختصون في تأكيد العلاقة بين هذه المزايا الفريدة وفترات التعليم المبكرة حيث يتم ترسيخ المفاهيم الإيجابية في ذهن وسلوك الطفل.
الأدلة في مجتمعنا أكثر وضوحا، سواء في القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة، أو في سلوكيات المجتمعات، حيث نلاحظ الفروق في مفاهيم وسلوك الفئات العمرية، بناء على اهتمامات المجتمع التي حقنت في أدمغة صغار السن من قبيل المحبوب والمندوب والمرفوض - كذلك - ووسائل التفريق بين الناس بناء على سلوكيات أو منهجية تعامل ملاحظة.
بناء على ما سبق، أزعم أن هناك حاجة ملحة لتطوير الفهم المجتمعي واستعادة بعض ما فقدناه في مراحل الافتتان ببعض الحضارات التي سيطرت على الساحة في كل العالم وليس لدينا نحن فقط. لا أقول إنه يجب أن نتقوقع على أنفسنا، إنما علينا أن نقنع الأجيال القادمة بما اقتنعنا به بعد أن عايشنا العالم وتعرفنا على نواتج تقليد بعض السلوكيات وتغيير كثير من المسلمات المجتمعية.
بل إننا لا بد أن نعيد التوازن في المجتمع بما يضمن التوافق والسكون وإيجاد مناطق تفاهم تحقق السلم المجتمعي، ثم الانطلاق نحو فضاءات الإبداع. أعود لأكرر أهمية دور المعلم كمبرز لهذه القيم وغارس لتلك الإيجابية في قلوب الصغار وعقولهم.
أقرب ما يحقق مثل هذه الأهداف هو تعظيم الرابط النفسي بين المعلم وتلاميذه، لعل كورونا حرمت كثيرين من تأصيل هذا الترابط المهم، وهذا ما تغلبت عليه إحدى المعلمات من خلال زيارة تلاميذها وتسليمهم شهادات النجاح في بيوتهم، وهو أمر سيرسخ في الذاكرة ما حيوا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي