Author

ثنائية كورونا .. الفاتورة باهظة 

|

 يتنظر العالم أجمع مرحلة التعافي الاقتصادي، فيما تحذر المؤسسات الدولية المختلفة من الآثار التي تركها وباء كورونا المستجد على الساحة الدولية، خصوصا على الصعيد الاجتماعي المرتبط مباشرة بالأوضاع الاقتصادية، التي شهدت تحولات كبيرة في فترة انتشار الجائحة، وفرضت معايير جديدة.

وعلى الرغم من أن التعافي المأمول لا يزال بعيدا بعض الشيء، إلا أن الأمور تتجه نحو الانفراج الاقتصادي، ولا سيما مع بداية النمو في معظم الاقتصادات حول العالم. ففي نهاية العام الحالي، من المتوقع أن يحقق الاقتصاد العالمي نموا يصل إلى 6 في المائة، وهذا النمو سيتواصل حتى العام المقبل، ما يدعم مسيرة خروج هذا الاقتصاد من أعمق ركود يشهده منذ أكثر من 80 عاما. الأمور تتجه نحو الانفراج، إلا أن هناك محاذير كثيرة لن تنتهي حتى إن صار التعافي أمرا واقعا.

وكانت منظمة العمل الدولية قد حذرت منذ انفجار جائحة كورونا من الآثار السلبية المترتبة لها على صعيد العمل، وفي مجال انتشار الفقر والعوز، خصوصا في ظل ارتفاع تاريخي أيضا لمعدلات البطالة على المستوى العالمي. ففي غضون عام تقريبا، فقد أكثر من 120 مليون شخص وظائفهم مرة واحدة، فضلا عن أولئك الذين تعطلوا عن العمل في فترة الوباء، وفي وقت الإغلاقات التي أقدمت عليها الحكومات حول العالم.

المؤسسة الدولية، وجهت رسائل واضحة لكل الدول، بأن تضع الإنسان محور سياسات التعافي المأمول، وهذه الرسائل تختص - في الواقع - بضرورة دراسة أوضاع العمل والعمال عالميا، بمن في ذلك أولئك الذين خرجوا من السوق نهائيا، إلى جانب أوضاع نسبة كبيرة من العاملين المهددين بفقدان وظائفهم حتى في ظل التعافي، نتيجة المتغيرات في طبيعة الحراك الاقتصادي التي أتت بها الجائحة إلى الساحة. وفي العام الماضي، ارتفعت معدلات الفقر حول العالم، وشملت حتى الدول المتقدمة، التي أسرعت إلى طرح حزم الإنقاذ الاجتماعية والاقتصادية.

لكن الأمر لم يكن كذلك في معظم الدول، فمعدلات الفقر ارتفعت فيها كثيرا، وظهر ما يمكن وصفه وفق منظمة العمل الدولية، بعدم المساواة، بل الظلم الاجتماعي، وهذا يتطلب - بالطبع - أن تولي الحكومات هذا الجانب الحساس أهمية كبيرة في مرحلة ما بعد كورونا. فالتعافي الاقتصادي والاجتماعي من هذه الجائحة، سيتطلب حراكا لائقا، ليس فقط لتكريسه وتمكينه على الساحة، بل معالجة الفقر وعدم المساواة التي ارتفعت مستوياتها كثيرا في الأشهر الماضية.

الأمر ليس سهلا، فالمعالجة يجب أن تكون متكاملة، للمحافظة على استدامة التعافي، مع ضرورة الإشارة إلى أن هناك خريطة طريق متفقا عليها من جميع الدول، تم اعتمادها في عام 2019، تعالج هذه القضايا الحساسة بأفضل الوسائل الممكنة. بمعنى آخر، أن العالم لا يحتاج إلى استراتيجية جديدة لمعالجة أوضاع الفقر وعدم المساواة ما بعد الجائحة، فالاستراتيجية موجودة بالفعل وواضحة المعالم.

جائحة كورونا لم ترفع من عدد الفقراء فحسب، بل ضربت بقوة أيضا الطبقة المتوسطة، وضمت أعدادا منها قسرا إلى قوائم الفقر، ومن هنا لا يمكن أن يتحقق التعافي الاقتصادي حول العالم، دون استيعاب مشكلة الفقر الجديدة، ومواجهة عدم المساواة، علما بأن العالم كان قبل الجائحة يشهد تراجعا واضحا لأعداد الفقراء عالميا، بعد نجاح مشاريع الأمم المتحدة الإنمائية المتنوعة.

الاستراتيجية المتفق عليها سابقا توفر كل الأدوات اللازمة في هذا المجال، من الصحة والتعليم إلى الرعاية الاجتماعية المختلفة، فضلا عن معالجتها مشكلات البطالة المباشرة وغير المباشرة، والمساواة في ظروف الحياة ومتطلباتها وتوزيع الثروة، وبالتالي فإن التعافي المطلوب مستقبلا ينبغي أن يكون مستداما وشاملا.

إنشرها