default Author

اللغة نافذة العقل

|
هي ليست مجرد أحرف وكلمات تنطق بها، إنها أنت، كينونتك مشاعرك أحاسيسك تفاعلك مع ما حولك ومن حولك وحلقة الوصل بينك وبين عقلك، من خلالها تستطيع أن تفكر وتوصل أفكارك للآخرين.
لذا عندما تتحدث مع شخص لا يتحدث لغتك وأنت كذلك، ينعدم التواصل بينكما وتحاولان إيجاد لغة مشتركة بينكما مثل لغة الإشارة.
فاللغة عبارة عن مزيج من الأصوات والرموز، التي تشكل نظاما معقدا ومنضبطا يمنحك القدرة على فهم نفسك أولا، ومن ثم الآخرين. خص الله بها الإنسان دون سائر الكائنات الحية ليتواصل مع غيره من البشر من خلال الاتفاق على إشارات تعبيرية معينة لتصبح معيارا يحدد معنى معينا.
إنها عينك التي ترى بها العالم، وتوجد تصورك عنه فكل كلمة تنطقها لها صورة محددة في دماغك، أنت وكل من يشاركونك اللغة نفسها وتختلف التصورات عن كلمة ما، حسب لغة أصحابها.
لقد وجد الباحثون عند دراسة ردة فعل الخلايا العصبية بوساطة الرنين المغناطيسي أن وقع الكلمات على الأشخاص يختلف باختلاف لغاتهم، فمثلا لفظ الجلالة "الله" عز وجل، لا تحرك الخلايا العصبية ذاتها عند غير المتكلمين بالعربية حتى إن كانوا مؤمنين، لأنها لا توجد في أي لغة أخرى. لذا خلصوا إلى أن اللغة التي بإمكانها تحريك مشاعرك في اللاوعي هي لغتك الأم، لأنها تكمن في داخلك وليست في الأشياء، فأنت من يمنحها مسماها وأكبر دليل الأطفال، فعندما يعطي الطفل معنى لكلمة معينة، يعطيها حسبما اكتسبه من محيطه أو حسبما تمليه عليه مخيلته. ويمتلك الأطفال إمكانية التلفظ بجميع الأصوات اللغوية، ولكن مع مرور الوقت يفقد هذه الإمكانات ولا يتبقى له سوى لغة محيطه.
وتبين من خلال التجارب أن الذين يتحدثون لغتين، تكون كتاباتهم باللغة المكتسبة أكثر تحديدا وتقل فيها الصور الذهنية. وعندما يفكرون بوساطتها تكون تصرفاتهم أكثر عقلانية وبعدا عن العاطفة، من ثم أكثر فاعلية، كما أن باستطاعتهم رؤية العالم بطريقة مختلفة اعتمادا على اللغة التي يستخدمونها. يقول العالم كوستا، "تجبرنا اللغة الأخرى على التفكير ببطء. كما وجدنا أن العاطفة تتعلق أكثر باللغة الأولى التي نتعلمها".
أما العالم دانيال كايمان فيقول: إن أدمغتنا تعمل بنظامين، الأول: يعطي ردودا بديهية أسرع وأكفأ، ولكنه يرتكب عديدا من الأخطاء، أما الثاني: فيستخدم المنطق وعند استخدام لغتنا الأم يتم تنشيط الأول، ويوقظ الجهود المبذولة لاستخدام لغة أخرى النظام الثاني.
إنشرها