Author

من «الفوركس» إلى «الفنتك»

|
قد لا تصدق إذا سمعت أن المسابقات التلفزيونية التي تستنزف جيوب مدمنيها برسائل الجوال لا تزال موجودة. ومثلها تماما الاندفاعات خلف أسواق العملات الأجنبية "الفوركس" وتجار الذهب والمعادن الافتراضيين، خصوصا من ضعيفي الثقافة المالية قليلي الخيارات. تتفرع الخديعة التي تحصل في سوق الفوركس إلى مسارين، الأول، يحصل به الاندفاع خلف تاجر فوركس مخادع لا يملك فوركسا ولا أصولا ولا يدير منصة حقيقية ولا تحكمه قوانين، والثاني، هو تاجر فوركس حقيقي، لكنه يستهدف من لا يعي حجم مخاطر الاستثمار في الفوركس، فيصطاد المغامرين الذين لا يملكون من أساسيات الاستثمار ما يحمون به حقوقهم، كلاهما مخادع دجال.
الفنتك قصة مختلفة تماما ولا يمكن مقارنتها بالفوركس لا طبيعة ولا دورا ولا بمستوى الدجل الذي يحصل في أسواق الفوركس. انتشر في الأيام الأخيرة مقطع لعملية اختلاس مالي يقوم فيها شخص باستدراج آخر للحصول على معلومات تسمح له بسحب قرض باسم المخدوع، وتفاعلا مع هذا المقطع قال أحدهم: "سابقا فوركس واليوم فنتك، ما ندري ماذا يأتي غدا". وهذا طبعا يوضح حجم سوء الفهم الموجود ويذكرنا بكل تأكيد أن الخدمات المالية دائما ما تكون بحاجة إلى أعلى درجات التنظيم والرقابة.
يتحدث أحد كبار السن أخيرا يقول، رأيت الشباب يجمعون "القطة" في المجلس دون نقد ودون تحويل بنكي، بل بتطبيق من إحدى شركات الاتصالات. ويتساءل، هل هذه تقليعة جديدة خاصة بالشباب؟ أم أن النقود التي يعرفها ستختفي وسيضطر هو كذلك أن يمارس شيئا من هذا القبيل عما قريب؟ بالطبع لا أحد يستطيع قياس سرعة التغيير بشكل دقيق، وإلا تمكن من التنبؤ بتوقيت حدوث الأشياء. لكن هذا يعكس لنا حجم وسرعة التغيير في أمور هي في باب الممارسات أشبه بالمسلمات.
إذا تحدثنا عن ممارسات الفنتك FinTech خصوصا ما يرتبط منها بالأفراد سنجد أنها متنوعة وتجارية فعليا كل التفاعلات المالية التي يمارسها الأفراد وتغطي كل ما يمكن فعله لإدارة المال والثروات: من الحصول على النقود وحملها وسدادها والاستثمار والادخار وتبادل الأثمان وكل ما يمكن أن يندرج تحت الممارسات المالية وربما ما هو أوسع من ذلك. إن المفهوم البسيط للفنتك يقول، هي عملية دمج وتمازج للتقنية مع الممارسات المالية، كانت تحصل في السابق ومستمرة لتتطور اليوم. لكن اللافت في الموضوع أنها تتطور اليوم بشكل سريع وقوي قد يغير من طريقة تعاملنا مع النقود كما نعرفها وهو فعليا يغير من شكل وطبيعة المؤسسات المالية التي نتعامل معها. بل إن الجهات التنظيمية نفسها لن تقوم فقط بتطوير ممارساتها الإشرافية والتنظيمية، بل هي نفسها يجب أن تتغير لتتواءم مع هذه الموجة القوية المؤثرة.
عندما بدأت "بيتكوين" في تغيير معادلات النقود وممارساتها، وانتشرت أخبارها في أصقاع الأرض وبدأت في النمو استخداما وقيمة، خرج مسار مواز من أشكال الاحتيال bitcoin scams يستغل هذا الاندفاع. من يود الاستثمار في "بيتكوين" عليه أن يتأكد أولا من جدوى الاستثمار في "بيتكوين" وعليه بعد ذلك أن يتأكد من أن يصل إلى القناة الصحيحة للقيام بذلك، فخدع "بيتكوين" تتطور بالسرعة نفسها لتطور "بيتكوين". وهكذا، مع كل تقنية جديدة هناك كم هائل من المخاطر الجديدة التي تتطلب فنونا دفاعية جديدة، ووعيا وممارسة.
تأسيس مصرف تقليدي جديد أمر صعب جدا، فالأمر يتطلب عددا من المباني وتكلفة لا يستهان بها من البنية التحتية، إضافة إلى فريق مؤهل وقوي ونظام يكسب الثقة فضلا عن مباركة الجهة المشرفة لوجود لاعب جديد في سوق منظمة بشكل جيد، وهذا الأمر يشكل تقريبا كل عمل مالي تقليدي منظم، سواء كان مرتبطا بالاستثمار أو التمويل أو التأمين. بالمقارنة، تأسيس تطبيق أو موقع إلكتروني أو ادعاء ذلك ومحاولة تقديم الخدمات المالية بشكل مرخص أو غير مرخص أسهل بكثير. وهذا موطن الخطر الأعلى المرتبط بالفنتك خصوصا ما يرتبط بما يتجاوز الحدود أو التعامل مع طرف في سوق أخرى. في السابق كان الوصول يتطلب سفرا، اليوم كل ما يتطلبه الأمر ضغطة زر وبطاقة ائتمان أو محفظة عملات إلكترونية. لكن، هذا لا يعني أن الفنتك أمر يجب الابتعاد عنه، أو مخاطرة تشبه الفوركس ورواجها أو التداول غير المرخص ومخاطره. كلا، الفنتك كمجموعة من التطبيقات ستصبح أسلوب حياة، وقد يتحول بشكل إجباري في وقت قريب كثير من الخدمات التي نتعامل معها إلى مسار الفنتك. ولهذا، يجب ألا يتم التعامل مع الفنتك بشكل جمعي ويصنف كممارسة تستحق الحماس أو تستوجب الحذر، ستخرج لنا سوق الفنتك بممارسات جديدة كل يوم، وكل منها خاضع للنقد والتقييم، وقبل ذلك يجب أن تخضع لدرجة من التنظيم والرقابة، ما يجعلها تقابل الحد الأدنى من الحماية وتحافظ على المرونة التي تحتاج إليها. لهذه الأسباب، حماية الشخص الذاتية من أي ممارسة مالية خطيرة، تقوم على وعيه المالي وليس غير ذلك شيء.
إنشرها