Author

ظواهر اجتماعية تحتاج إلى دراسات علمية

|
في تصريح للبنك المركزي أفاد فيه بأن السعوديين خلال أسبوع أنفقوا مليار و26 مليون ريال على المقاهي والمطاعم، وما من شك أن الإنفاق كبير ويلفت الانتباه، خاصة من قبل مختصي الاقتصاد، والمالية، وكذا مختصي العلوم الاجتماعية، والنفسية، لما قد يكشف من قبل كل هؤلاء، كل في مجاله لمعرفة الأسباب والآثار الناجمة عن هكذا سلوك استهلاكي.
في ظل جائحة كورونا قد يجد المراقب عذرا لهذا السلوك الإسرافي، خاصة أن وسيلة الترفيه، والتسلية المتاحة الآن هي الاستمتاع بوجبة مع العائلة خارج المنزل، أو فنجان قهوة مع الأصدقاء والأحباب، لكن من الصعب قبول مثل هذا التعليل على علاته إذا أدركنا التحذيرات الرسمية من الجهات المعنية من التجمعات، فكيف يجازف المرء بنفسه، وعائلته بهدف الترفيه؟ أو هكذا يعتقد البعض، ولعل من المناسب التوقف عند مفهوم الترفيه، وهل تحول الترفيه عالميا إلى الأكل والشرب في المطاعم ولسنا استثناء من العالم أم أننا نفهم الترفيه بصورة خاطئة؟.
من ملاحظاتي العابرة حين أحتاج إلى الذهاب للأسواق أن الإمساك بكوب القهوة من قبل الشباب، والشابات أصبح ظاهرة منتشرة، وهم يتحركون داخل السوق، فهل هذا السلوك يحقق تسلية، وترفيها، أم أنه موضة عابرة يجد البعض نفسه مضطرا، أو محتاجا إلى مسايرتها، حتى لا يكون مختلفا عن فئته العمرية؟ وفي الوقت نفسه يحقق ما يعتقد أنه تميز لا يجب التفريط فيه، وبعبارة نفسية يجد فيه الفرد شعورا بالراحة، والطمأنينة، والفرح، ومثل هذا التفسير يقودنا لسؤال ما الفرق بين القهوة الممكن صناعتها في المنزل، وتلك المقدمة في المطعم، أو المقهى؟ خاصة إذا أدركنا القيمة النفسية التي تتحقق عند احتساء القهوة في المنزل، والتفاف العائلة حولها.
أسعار كثير من المقاهي، والمطاعم ليست في مقدور متوسطي الدخل، وما أخشاه أن بعض مدمني التردد عليها يرهقون ميزانياتهم، أو ميزانيات عائلاتهم ليجدوا أنفسهم في نهاية الشهر بلا مصروف مريح، أو بلا مصروف إطلاقا، وفي هذا وقفة مهمة تجعلنا نتساءل هل هؤلاء لديهم مبدأ الأولويات، أم أن مبدأ الأولويات لديهم مقلوب، حيث أصبح الترفيه أساسيا، وحل محل الضرورات، أم أن المبدأ لا وجود له لديهم؟
لا يمكن فهم، وتوجيه الظواهر السلوكية، والاجتماعية ما لم تتم دراستها بعلاقتها ببعض المتغيرات، كالعمر، والجنس، والدخل، والمستوى التعليمي، وغيرها من المتغيرات الأخرى، ولعل استطلاعات الرأي، وجمع البيانات الواقعية من الميدان توفر أرضية تساعد على التحليل الكمي الذي يعطي مؤشرات جيدة يمكن بناء عليها الإرشاد، والتوجيه، واتخاذ القرارات التي تخدم الأفراد، والاقتصاد الوطني، خاصة أن معظم المواد الاستهلاكية مستوردة، ما يؤثر سلبا في الاقتصاد بتحويل هذه الأموال الضخمة إلى دول منشأ المواد المستوردة، إلا أن الأخطر من ذلك إيجاد جيل، وأجيال يتشكل تفكيرها، وسلوكها الفعلي على الاستهلاك، وليس الإنتاج لنستمر في هذه الدائرة المفرغة.
إني حاولت إجراء تحليل كمي افتراضي، فعلى ضوء معلومة أن سكان المملكة من مواطنين، وغيرهم 33 مليون نسمة سيكون استهلاك الفرد 30 ريالا خلال أسبوع، حسب ما أعلن إنفاقه، إلا أن افتراض أن كل السكان زاروا المطاعم، والمقاهي خلال ذلك الأسبوع افتراض في غير محله، ولو افترضنا أن ثلث‏ السكان زاروا المطاعم، والمقاهي خلال الأسبوع المذكور لأصبح استهلاك الفرد 90 فردا، مع أني لست متأكدا من أن الثلث ذهبوا للمطاعم، إن تحليل الظاهرة بكل المتغيرات ذات العلاقة بها يساعد المخططين، والجهات ذات العلاقة بالاقتصاد، مع أن البعض قد يعد إنفاق مليار على المطاعم قوة اقتصادية، وهذا خلاف المفهوم الاقتصادي السليم.
إنشرها