Author

تطورات جديدة في هونج كونج لاحتواء أزمتها

|

كما هو معروف شهدت هونج كونج طوال العامين الماضيين أزمة سياسية ودستورية غير مسبوقة في تاريخها منذ عودتها إلى السيادة الصينية في الأول من تموز (يوليو) 1997. هذه الأزمة، التي اندلعت على خلفية قانون أمني جديد مثير للجدل فرضته بكين، معطوفا على مشكلات تشريعية وإدارية واقتصادية، تسببت في احتجاجات شارعية واسعة وتعطيل للأعمال والمصالح، لم تخف حدتها إلا بسبب المخاوف من الإصابة بوباء كورونا المستجد.
اليوم تحاول بكين جاهدة أن تضع حدا لمشكلات الجزيرة التي تؤرقها. ومن آيات ذلك أن هان تشينج نائب رئيس مجلس الدولة الصيني اعترف أخيرا أمام أكثر من 200 مندوب من هونج كونج خلال اجتماع عقد في بكين للمجلس الاستشاري السياسي للشعب الصيني - مجلس يتألف من ممثلين للحزب الشيوعي الصيني الحاكم والأحزاب الأخرى المعترف بها والشخصيات غير الحزبية والمنظمات الشعبية والأقليات القومية ومواطني منطقة هونج كونج الإدارية الخاصة ومنطقة ماكاو الإدارية الخاصة - بوجود مشكلات عميقة الجذور في الجزيرة، تشمل الهيكل الصناعي ونقص المساكن وتوزيع الثروة وتصادم المصالح والصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، داعيا أعضاء المجلس إلى تقديم المقترحات والمشورة والنصائح للحكومة لتخفيف التوتر في هونج كونج وإعادة الأمور إلى نصابها بشكل عملي وفعال.
وقد تزامن هذا الحديث مع تغيير نظام الانتخابات في الجزيرة حينما صوت أغلب أعضاء مجلس الشعب الصيني في مطلع آذار (مارس) لمصلحة إدخال تعديلات على نظام هونج كونج الانتخابي، بهدف وضع مسؤولية إدارة الجزيرة في أيدي "وطنيين" يحكمونها ويعكسون واقعها ويمثلون مصالح مجتمعها ككل - بحسب ما نشرته الصحف الصينية -، وقد تضمنت هذه التعديلات زيادة أعضاء اللجنة الانتخابية التي تختار حاكم هونج كونج ورئيس جهازها التنفيذي من 1200 إلى 1500 عضو، وزيادة عدد مقاعد برلمان الجزيرة من 70 إلى 90 عضوا، واستحداث لجنة لمراجعة مؤهلات المترشحين للبرلمان ومدى ولائهم لسلطات البر الصيني.
وقد سارعت كاري لام حاكمة هونج كونج الحالية إلى تأييد هذه الخطة بقوة، فيما أبدى بعض مساعديها، وعلى رأسهم برنارد تشان تحفظات حيالها. غير أن وانج تشين الناطق باسم المجلس التشريعي الهونجكونجي كان من رأي الحاكمة بدليل قوله إن "الفوضى في هونج كونج برهان على وجود ثغرات وعيوب في النظام الانتخابي الراهن" ما يتيح للقوى المعادية للصين في الجزيرة الوصول إلى السلطة.
ويرى بعض المراقبين والأكاديميين أن التغييرات المقترحة على نظام الانتخابات في الجزيرة ستساعد على فرز قادة جدد أكثر حرصا على المصالح العامة بدلا من المصالح الخاصة للشركات الكبيرة، كما أنها ستخفف التوترات بين الهيئات التشريعية والإدارية وتحد من تأثير الشركات الكبيرة على عملية صنع القرار "في الماضي كان الرئيس التنفيذي ينتخب من قبل أشخاص في الأغلب من الطبقتين الوسطى والعليا، بينما كان ناخبو المجلس التشريعي ينتمون أساسا إلى الطبقتين الوسطى والدنيا، ما أدى إلى صراع كبير بين الجهازين التشريعي والإداري". غير أن البعض الآخر من المراقبين يرى أن التغييرات المذكورة انتكاسة للديمقراطية والحريات التي عرفها الهونجكونجيون في ظل الحكم البريطاني.
من جهة أخرى، وتزامنا مع هذه التطورات في الجزيرة، تم الإعلان في هونج كونج عن تأسيس حزب سياسي جديد يحمل اسم حزب بوهينيا على يد مجموعة من رجال الأعمال المحليين، وبقيادة لي شان عضو المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني الذي صرح بأن حزبه سيشارك في انتخابات المجلس التشريعي ولجنة الانتخابات، بل في حكم هونج كونج.
ولي شان هذا، المولود في مقاطعة سيتشوان الصينية عام 1963، يحمل بكالوريوس الاقتصاد من جامعة تسنجهوا والماجستير من جامعة كاليفورنيا والدكتوراه من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وله خبرة كبيرة في الأعمال المصرفية استمدها من عمله في كبرى المصارف الأمريكية والغربية، فضلا عن أنه كان نائبا لرئيس الفريق الخاص الذي كلفه تشو رونججي رئيس الحكومة الصينية الأسبق عام 1998 بتأسيس بنك استثماري تابع لبنك التنمية الصيني.
وطبقا لتصريحاته المنشورة، قال لي شان إن حزبه يلتزم مبدأ "احترام دولة واحدة بنظامين" (الصيغة التي وافقت لندن بموجبها على إعادة هونج كونج إلى السيادة الصينية)، وحماية القيم الأساسية لهونج كونج وسيادة القانون، مضيفا أن الأخيرة يجب أن تظل دون تغيير لمدة 50 عاما أخرى بعد عام 2047. وكي يبدد مخاوف البعض منه نفى أنه عضو في الحزب الشيوعي الحاكم في بكين، كما قلل من انتقادات البعض الآخر له لجهة عدم قدرته على خدمة شعب هونج كونج بسبب عدم إتقانه للغة المحلية (الكانتونية)، قائلا إن هونج كونج مدينة آسيوية عالمية، وإذا كانت لا تسمح لشخص يتحدث الماندرينية بخدمتها فهي ليست عالمية.
وفي معرض حديثه عن الدوافع وراء إطلاق حزب بوهينيا قال إنه وبعض الشخصيات من ذوي التفكير المماثل قرروا ذلك بعدما شعروا أن جميع الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة تخدم فئات معينة من الناس ولا تخدم سكان الجزيرة ككل. والمعروف أن اثنين من زملائه من مؤسسي الحزب سبق أن صرحا في كانون الأول (ديسمبر) الماضي بأن حزب بوهينيا (المقترح آنذاك) يستهدف منح عضويته إلى ربع مليون شخص من أجل تعبئة 7.5 مليون نسمة عندما يكون هناك اقتراع عام في هونج كونج، وأن الحزب لن يسأل الأعضاء عن خلفياتهم طالما أنهم موافقون على برامجه وراغبون في العمل تحت لوائه.

إنشرها