Author

تبعات تحول نظام الطاقة .. نقص المعادن وارتفاع الأسعار

|
ثلاثة مليارات طن، هذا هو مقدار المعادن والفلزات التي سيتطلبها التحول في نظام الطاقة العالمي، وفقا لتقرير البنك الدولي. حيث من المتوقع أن يزداد الطلب على بعض هذه المواد، مثل النحاس، الليثيوم، الكوبالت والجرافيت، بنسبة 500 في المائة بحلول عام 2050، وفقا للتقرير نفسه. والأسواق بالنسبة لبعضها - وبالتحديد النحاس - تقترب بالفعل من عجز. بالفعل، تقترب أسعار النحاس الآن من المستويات القياسية التي شوهدت آخر مرة عام 2011، ويتوقع بعض المحللين أن يتجاوز الطلب العرض قبل نهاية هذا العام. حيث سيرتفع الطلب على النحاس بنسبة 5 في المائة هذا العام، بينما سيرتفع العرض بنسبة 2.3 في المائة فقط، وفقا لما نقله موقع التعدين دوت كوم Mining.com عن شركة ستونكس للتعدين StoneX. المشكلة على المدى الطويل هي أن العرض الإضافي سيستغرق وقتا ليصل إلى الأسواق. في هذا الجانب، قال الرئيس التنفيذي لشركة ترافيجورا في مؤتمر أسبوع سيرا CERAWeek لهذا العام: "إننا نرى أن التوسع في المركبات الكهربائية، مزارع الرياح، والطاقة الشمسية سيتطلب ما يصل إلى خمسة أضعاف كمية النحاس". "لا يمكنك فقط تدوير العجلة وإنتاج مزيد من النحاس".
وأضاف الرئيس التنفيذي للشركة أن تطوير مناجم النحاس يستغرق ما بين خمسة وعشرة أعوام، ما يعني تشدد المعروض في المستقبل المنظور. الوضع مشابه للمعادن الأخرى الضرورية للتحول في نظام الطاقة. أسعار الكوبالت آخذة في الارتفاع أيضا في الوقت الحالي، بسبب التوقعات بأن العرض سيتقلص بسبب ارتفاع الطلب. لتأمين حاجتها من المعادن، وقع المدير التنفيذي لشركة تسلا Tesla أخيرا صفقة لجعل الشركة مستشارا فنيا في منجم جورو Goro في كاليدونيا الجديدة لتأمين إمدادات النيكل على المدى الطويل، وهو معدن رئيس آخر لبطاريات السيارات الكهربائية.
من المؤكد أن زيادة الطلب بنسبة 500 في المائة على أي بضاعة هي أخبار جيدة للمستثمرين في هذه البضاعة، لذا فإن أوقاتا تصاعدية تنتظر مستثمري المعادن والفلزات مع ارتفاع أسعار المعادن الأساسية مثل النحاس والنيكل. لكن مع ارتفاع أسعار النحاس والنيكل، سترتفع أسعار المنتجات المصنوعة بهما، ولا سيما المركبات الكهربائية، التي يعتمد عليها جزء كبير من تحول نظام الطاقة. يتم الترويج للمركبات الكهربائية على أنها ميسورة التكلفة بشكل متزايد، لأن شركات صناعة السيارات وصانعي البطاريات تعمل باستمرار على خفض تكاليف الإنتاج. لكن إذا قفز سعر أي من مكونات البطارية بشكل كبير بسبب نقص الإمداد، فسيتم القضاء على هذه التخفيضات في تكلفة الإنتاج، وربما يتجاوزها.
يكمن مصدر ما يمكن أن يصبح مشكلة سعرية خطيرة للمعادن الأساسية في ضعف الاستثمار في الماضي: حيث لأعوام، ابتليت الصناعة بنقص الاستثمار بسبب ضعف أسعار المعادن الأساسية، وكان السبب وراء ضعف الأسعار هو وفرة العرض لأن محركات الطلب الأساسية كانت دائما هي نفسها: التصنيع، والبناء، والاتصالات، ومرافق الطاقة بالنسبة للنحاس، وإنتاج الفولاذ المقاوم للصدأ، والبناء بالنسبة للنيكل.
في الوقت الحالي، يأتي 4 في المائة فقط من الطلب العالمي على النيكل من صناعة السيارات الكهربائية، بينما يأتي 70 في المائة من صناعة إنتاج الفولاذ المقاوم للصدأ. لكن الطفرة المتوقعة في اعتماد السيارات الكهربائية ستؤدي إلى زيادة في حصة الطلب من 4 إلى 10 في المائة بحلول العام المقبل وإلى 20 في المائة بحلول عام 2030. هذه زيادة حادة وسريعة للغاية ستؤدي حتما إلى ارتفاع الأسعار، لأن الإنتاج لم يتمكن من اللحاق بها.
النظرة المستقبلية أكثر تفاؤلا لأسعار النحاس. منذ عام 1990، كان هناك ما يصل إلى 224 اكتشافا رئيسا جديدا لرواسب النحاس، وفقا لتقرير صادر عن S&P Global Market Intelligence. لكن، في العشرة أعوام الماضية تم التوصل إلى 16 اكتشافا فقط من هذه الاكتشافات، واكتشاف واحد فقط منذ عام 2015. وهذا يعني أن ضعف بيئة الاستكشاف سيؤدي إلى انخفاض العرض في المستقبل، ما يعني أن نقص العرض يلوح في الأفق بشكل كبير وبالتالي ارتفاع الأسعار.
عند الحديث عن ضعف الاستكشاف ونقص الاستثمار، يتوقع أن تواجه أسواق النفط أيضا نقصا في هذا الجانب. لقد تسبب انهياران في الأسعار في العشرة أعوام الماضية في تقلص عمليات الاستكشاف، مع تزامن الأزمة الثانية أيضا مع وباء أدى إلى انهيار في الطلب العالمي على النفط، ما قلل بشكل أكبر من شهية الصناعة للاستكشافات الجديدة. النتيجة: في غضون خمسة أعوام فقط، ومن المتوقع أيضا سيحتاج العالم إلى عشرة ملايين برميل يوميا أكثر مما يحتاج إليه اليوم، وفقا لشركة توتال الفرنسية. ليست شركة توتال هي الوحيدة التي حذرت من نقص الإمدادات. حيث قال معهد البترول الأمريكي API أخيرا، إن الجمع بين نقص الاستثمار والتراجع الطبيعي في إنتاجية الآبار سيؤدي إلى نقص في العرض في العام المقبل.
بالطبع، معهد البترول الأمريكي هو منظمة تمثل الصناعية النفطية، لذلك يتوقع المرء مثل هذا التحذير منها، لكن من السهل رؤية تحذيرات النقص من جهات أخرى أيضا. لقد خفض جميع الشركات النفطية استثماراتها في عمليات التنقيب الجديدة خلال أزمة 2014 و2020. في العام الماضي، اضطر كثيرون إلى خفض الإنتاج الحالي بسبب انهيار الطلب.
الآن، مع آفاق الطلب على النفط على المدى البعيد أكثر هبوطية من ذي قبل بسبب الدفع غير المدروس نحو تحول نظام الطاقة، يخطط عديد، ولا سيما شركات النفط الكبرى، لمواصلة خفض إنتاجهم. لكن، في الوقت نفسه، لا ينخفض الطلب على النفط بالسرعة التي قد يرغب فيها دعاة تحول الطاقة في الانخفاض، خاصة في الدول النامية التي تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري.
لذلك، من المتوقع أن يشهد العقد المقبل أو نحو ذلك ارتفاعا في تكاليف السيارات الكهربائية، الطاقة الشمسية، ومزارع طاقة الرياح، لأن النحاس ومعادن أخرى تستخدم بكثافة في أنظمة الطاقة المتجددة.
إنشرها