Author

صناعة السياحة في مسار مضطرب

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"السياحة من أكثر القطاعات تضررا بسبب كورونا"
زوراب بولوليكاشفيلي، أمين عام منظمة السياحة العالمية
سيظل القطاع السياحي على مستوى العالم الأسرع تضررا بفعل الأزمة الاقتصادية الناجمة عن تفشي وباء كورونا المستجد. فهذا القطاع يقوم أساسا على السفر والتنقل والتلاقي والاتصال المباشر بين البشر، ولذلك كان من الطبيعي أن يكون أول القطاعات التي توقفت تماما منذ الأيام الأولى للأزمة، وهو القطاع الذي شهد حالات إفلاس متصاعدة لشركات يعود تاريخ بعضها إلى بداية القرن الماضي. وهو في النهاية مرتبط مباشرة بسلسلة من الميادين الحيوية، كالفنادق والمنتجعات والمطاعم والمتنزهات والأماكن الأثرية والتاريخية وشركات النقل والمواصلات، حتى الرعاية الصحية والاستشفاء، وغير ذلك من الخدمات المطلوبة للسائح والمسافر. أضف إلى ذلك روابط قطاع السفر والسياحة مع الفعاليات المحلية والعالمية المختلفة والمهرجانات والندوات. إنه في النهاية قطاع يقوم على عشرات الخدمات الأساسية والفاعلة في الحراك الاقتصادي بشكل عام.
بلغت خسائر السياحة العالمية بسبب فيروس كوفيد - 19 أكثر من 460 مليار دولار في النصف الأول من العام الماضي، ولم يتحسن الوضع بأي صورة من الصور حتى عندما شهد فصل الصيف الماضي بعض الانفراج في حراك السفر والسياحة، لأسباب عديدة، في مقدمتها أنه كان انفراجا قصير الأمد، تم وسط استمرار المخاوف من موجات جديدة لهذا الفيروس. وبالفعل انفجرت عدة موجات بمستويات متفاوتة في عدد من الدول الناشطة على الساحة العالمية، من بينها بريطانيا والبرازيل وغيرهما. أي: إن تخفيف القيود من جانب أغلب الدول في الربع الثالث من عام 2020، لم يوفر أي قوة دفع لقطاع السياحة الذي حصل كغيره من القطاعات المحورية على دعم حكومي كبير للإبقاء على وجوده خلال أزمة الوباء، علما أن بعض الحكومات قررت التضحية بمئات الشركات السياحية اعتقادا منها أن إنقاذها سيكلف أكثر من إخراجها من السوق.
تسهم صناعة السياحة بـ 10.4 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويعمل في هذا القطاع أكثر من 110 ملايين شخص حول العالم، إلى جانب عشرات الآلاف من العاملين فيه موسميا. وتعد منظمة السياحة العالمية، أن هذا القطاع يتصدر القطاعات التي توفر الوظائف، كما أنه يسهم بصورة كبيرة في الحد من البطالة في أغلب الدول التي تستقطب السياح والمسافرين. وفي الأعوام التي سبقت انفجار كورونا، حققت السياحة نموا كبيرا، من خلال التسهيلات التي توافرت لها، إضافة إلى التنافسية بين المؤسسات والشركات السياحية التي وفرت بدورها قوة دفع أخرى للحراك السياحي بشكل عام، خصوصا على صعيد تراجع تكاليف السفر بصورة مذهلة، إلى جانب طبعا ارتفاع مستوى المعيشة في عشرات الدول ولا سيما النامية، ما سمح لمواطنيها بالوصول إلى المنتج السياحي.
كل هذا توقف فعليا في أعقاب تفشي كورونا، وأدى إلى شلل هذه الصناعة التي تقدر قيمتها الإجمالية بثمانية تريليونات دولار. هذه الحالة أدخلت متغيرات لافتة على سوق السياحة بشكل عام. فالركائز الأساسية التقليدية للسفر والسياحة، لا يبدو أنها ستعود على المديين القصير والمتوسط، مثل الحدود المفتوحة والوجهات السياحية المتزايدة والتنقل دون تأشيرات. حتى لو عادت عجلة الحراك الاقتصادي العالمي للدوران مجددا، ووصلت إلى مستوى ما كانت عليه قبل الوباء، فإن المعايير والقيود على حركة السفر ستظل ماثلة على الساحة لفترة لن تكون قصيرة، خصوصا إذا ما ظل فيروس - 19 خارج السيطرة. صحيح أن التحرك العالمي الحالي على صعيد توفير اللقاحات يمضي قدما، إلا أنه لا يزال حتى اليوم دون المستوى المأمول.
يقول خبراء في مجال السياحة العالمية: إن أصحاب شركات السياحة والطيران والنقل، يأملون أن تسمح فقاعات السفر المقبلة التي ستتمثل في مجموعة صغيرة من الدول التي ستعيد فتح الحدود، وإقامة الممرات الآمنة للمسافرين، بأن تنعش حركة السياحة لو بشكل طفيف. لكن هذا ليس مضمونا في الواقع، على اعتبار أن هناك نظاما جديدا في المناطق التي يمكن وصفها بالآمنة سيوفر حراكا سياحيا محدودا، لأن عودة النشاط السياحي إلى ما كان عليه قبل الوباء، ستستغرق أعواما. بعض المراقبين يتحدثون عن فترة قد تصل إلى نهاية العقد الجاري. وهذا يعني أن الضغوط الاقتصادية ستتواصل لأعوام طويلة، خصوصا في الدول النامية التي تعتمد على السياحة كمصدر رئيس للدخل القومي. أما في الدول المتقدمة التي تخسر من جراء التعثر السياحي، فإنها حلت المشكلة بحزم الدعم الحكومية المتوالدة.
لكن بلا شك ستزدهر السياحة الداخلية في أغلب الدول، خصوصا تلك التي تتمتع بأوضاع اقتصادية جيدة نوعا ما، وهذا يعني أن جانبا محدودا من صناعة السياحة سيحقق بعض التقدم، لكن ليس بصورة مستدامة. سيسهم النجاح المأمول في عمليات التلقيح ضد كورونا في اختصار المدة المتوقعة لعودة القطاع السياحي إلى ما كان عليه في العقد الماضي، إلا أن الشيء المؤكد أن تعافي هذا القطاع لن يكون سهلا ولا سريعا، خصوصا إذا ما استمرت الإجراءات الحمائية الصحية لفترات طويلة.
إنشرها