Author

تحسين علاقة العمل التعاقدية

|

تعرضت دول الخليج العربي لانتقادات من جهات متعددة ولأعوام طويلة بسبب نظام علاقة العمل التعاقدية مع العمالة الخارجية الذي يتطلب كفالة المواطن للوافد. وعلى الرغم من هذه الانتقادات، فقد وفر أسلوب التعاقد هذا، الوظائف لملايين البشر حول العالم، وأسهم في تحسين حياة عشرات الملايين من الناس في أرجاء المعمورة. وفي الوقت نفسه ساعد هذا الأسلوب الدول الخليجية على تسريع وخفض تكاليف عمليات التنمية وتنفيذ مشاريع البنية الأساسية وزيادة رفاهية شعوبها. ومع كل المنافع التي جناها الوافدون والدول الخليجية وشعوبها إلا أن العمل به لفترة طويلة قاد إلى بعض التشوهات في أسواق العمل الخليجية.
تزامن استخدام الكفالة مع نهضة اقتصادية شاملة، وعجز في عرض ومهارات العمالة المحلية، وفتح دول الخليج أسواق العمل لاستقدام العمالة الخارجية، ما رفع مرونة عرض القوى العاملة وسمح بتدفقها بأعداد كبيرة. وتسببت مرونة عرض العمالة في الضغط على الأجور وبقائها مثبطة في القطاع الخاص لفترات طويلة ما حد كثيرا من نموها. أدى الاعتماد المتزايد على العمالة الوافدة إلى انكشاف أسواق العمل الخليجية على أسواق عمل الدول الرئيسة المصدرة للعمالة، فعند ارتفاع الأجور سابقا في دولة، ككوريا الجنوبية مثلا، توقف استقدام العمالة منها، وازداد التوجه إلى دول أخرى في جنوب وشرق آسيا وبعض الدول العربية. قاد الاعتماد المتزايد على وافدي دول معينة، إلى زيادة تأثر أسواق العمل الخليجية بتطورات أسواق العمل في هذه الدول، فعند تحسن الأجور في إحدى الأسواق الرئيسة أو ارتفاع معدلات البطالة فيها تتفاعل أسواق العمل الخليجية مع هذه التغيرات.
لعل أبرز المآخذ على أسلوب الكفالة هو حده من حركة انتقال العمالة بين القطاعات الاقتصادية والمؤسسات الإنتاجية. وتسهم سهولة تنقل العمالة بين القطاعات الاقتصادية والمشغلين في زيادة مواءمة الوظائف والمهارات ما يحسن إنتاجية العمالة ونمو أجورها، كما يسرع من تحولات القطاعات الاقتصادية ويعد رافدا من روافد النمو الاقتصادي. حملت متطلبات الكفالة الكفيل عديدا من المسؤوليات وفي مقابل ذلك منحته حق الاحتفاظ بالعمالة. وأدى هذا إلى الحد من سرعة التحولات الاقتصادية وقاد إلى ضمور الأجور لفترة طويلة، خصوصا مع توجه المشغلين إلى الاستقدام من الدول الأقل أجرا. قاد توجه المشغلين إلى الاستقدام من الدول الأقل أجرا، إلى تراجع الأجور من إجمالي الناتج المحلي (القيمة المضافة) في الدول الخليجية، وبذلك أصبحت الدول الخليجية كثيفة الاستخدام للعمالة، كما قاد إلى زيادة كبيرة في نسبة المقيمين من إجمالي السكان.
أسهم تراجع معدلات الأجور في الدول الخليجية مقارنة بالناتج المحلي للفرد في عزوف كثير من العمالة الوطنية عن العمل في القطاع الخاص. ومكنت ممارسات الكفالة المشغلين من التحكم أكثر في معدلات الأجور والضغط بدرجة أكبر على مكفوليهم. وأدى هذا إلى تفضيل المشغلين توظيف العمالة الوافدة على العمالة الوطنية ورفع مع مرور الوقت معدلات البطالة الوطنية. من جهة أخرى، تسببت متطلبات الكفالة وانخفاض الأجور في عزوف بعض العمالة الماهرة الأجنبية عن القدوم للعمل في المنطقة أو مغادرتها، ما أفقد أسواق العمل المحلية أيادي ماهرة متعددة. عموما، قادت ممارسات الكفالة والاستقدام المستمر إلى خفض تراكم الخبرات المكتسبة من العمل، ما قد يكون تسبب في خفض معدلات النمو الاقتصادي.
سيمنح تحسين علاقة العمل التعاقدية وإلغاء متطلبات الكفالة العمالة الوافدة حرية أكبر في التنقل بين القطاعات والمؤسسات، وسيوفر لها مرونة أكبر في العودة إلى أوطانها، ويخفف من الآثار النفسية لمتطلبات الكفالة، كما سيسهم في نمو الأجور، وبالتالي تحسن الإنتاجية. إضافة إلى ذلك، سيخفض نظام التعاقد الجديد جاذبية العمالة الوافدة للمشغلين ويقلص الفوارق بينها وبين العمالة الوطنية. في المقابل، سيرفع النظام الجديد جاذبية العمل في المملكة للوافدين، ويرفع معدلات تدفق العمالة الوافدة إليها، ما يتطلب مراقبة نتائج هذا القرار وقد يستلزم اتخاذ إجراءات أخرى للحد من تدفق العمالة غير الماهرة. عموما، إن إلغاء متطلبات الكفالة سيرفع تنافسية العمالة الوطنية، وسيساعد - بلا شك - على خفض معدلات البطالة الوطنية على الأمد الطويل، ويرفع الأجور، ما سيحسن المعيشة للشرائح العاملة المحلية والوافدة. وهذا سيسهم في الأمد الطويل في رفع عدالة توزيع الدخل بين الشرائح السكانية المختلفة، كما سيحسن إنتاجية العمالة والاقتصاد ككل. في المقابل، سيضغط ارتفاع الأجور على أرباح المؤسسات وأسعار السلع والخدمات، ما قد يؤثر - بشكل أو آخر - في معدلات التضخم.
تسببت متطلبات الكفالة وممارسات العمل التي نتجت عنها في تمايز واختلاف أسواق عمل الوافدين والمواطنين، وأحيانا بين جنسيات الوافدين. وتسبب التمايز في أسواق العمل في إيجاد تباين للأجور وتركز لجنسيات معينة في قطاعات محددة. وسيساهم تحسين علاقة العمل التعاقدية في الحد من تمايز أسواق العمل بين المواطنين والوافدين، وفي رفع انسجام أنظمة العمل الوطنية مع المعايير الدولية، وتحسين بيئة العمل المحلية، ومنح مزيد من الحقوق للعمالة. وهذا سيحسن صورة المملكة الخارجية، ويحد من الانتقادات المتعلقة بحقوق العمالة الوافدة، ويرفع في الوقت نفسه تصنيفات المملكة في سوق العمل، وقد يحفز تدفق مزيد من الاستثمارات إليها.

إنشرها