Author

زواج المسيار أم الزواج المشروط؟

|

زواج المسيار – إن جازت التسمية – حظي باهتمام كبير من قبل الكتاب ووسائل الإعلام المسموعة والمقروءة، ما بين الفتاوى الشرعية والتأييد أو الرفض، أو الاعتقاد بعدم جوازه أو عدم استحسانه من الناحية الاجتماعية. لا شك أن الجدل القوي والخلاف المستمر حول موضوع معين يدل على أهميته، وهو ما دفعني إلى الكتابة وإبداء الرأي حول هذا الموضوع، الذي قد يكون حلا لبعض التحديات التي تواجه بعض الناس، وقد يكون مشكلة في الوقت نفسه.
بداية، ما هو زواج المسيار؟ إنه نمط من أنماط الزواج انتشر في المجتمعات الإسلامية، خاصة العربية والخليجية، وهو عقد زواج شرعي بين رجل وامرأة مستوفي الأركان والشروط، لكن تتنازل فيه المرأة عن بعض حقوقها كالسكن أو النفقة أو المبيت. ويحقق هذا النوع من الزواج احتياج بعض النساء الراغبات في البقاء في بيوتهن لرعاية أطفالهن أو البقاء في بيوت أهاليهن لرعاية الوالدين أو بعض الأقارب، أو لكون المرأة مصابة بإعاقة ولا يرغب أهلها بتحميل زوجها أعباء كبيرة. وفي المقابل، يحقق هذا النوع رغبة بعض الرجال المتزوجين في عدم إظهار زواجه الثاني أمام زوجته الأولى أو بعض الرجال الذين يسافرون بكثرة إلى بلد معين من أجل التجارة ونحوها. وعلاوة على ذلك يلجأ بعضهم إلى هذا النوع من الزواج لعدم القدرة على تحمل تكاليف تجهيز منزل مستقل لضعف الإمكانات المادية.
من الأهمية بمكان أن أغلب الفتاوى الشرعية تشير إلى جوازه، إذا توافرت فيه شروط الزواج الصحيح، خاصة الإيجاب والقبول من قبل الزوجين، وموافقة ولي أمر المرأة، ووجود الشهود. وهناك من قالوا بإباحته مع الكراهية، خشية استغلاله من قبل بعض ضعاف الدين، للزواج من أجل المتعة المجردة فقط، أو الدخول في زيجات يمكن الجزم بفشلها منذ البداية، ويكون بها امتهان للمرأة وكرامتها، ومن ثم لا تتحقق المقاصد الشرعية من مودة وسكنى واستقرار أسري. ولكن يقابل ذلك من يرى أن هذا الزواج يحقق مصالح بعض الرجال والنساء الذين لا تمكنهم ظروفهم من الزواج غير المشروط، وإن مفاسده - إن وجدت - موجودة في الزواج غير المشروط أيضا.
وعلى مستوى مجالس الزملاء والأصحاب هناك انقسام واضح ما بين مؤيد ومعارض، وفي هذا السياق، يروي لي أحد الزملاء قصة واقعية حدثت في إحدى قرى نجد قبل عقود، وهي أن امرأة جميلة توفي زوجها، فأقبل عليها الرجال لجمالها ولملكيتها مزرعة كبيرة. وفي ذلك الوقت كانت ملكية المزرعة تعني الثروة الحقيقية، لشظف العيش وقلة مصادر الدخل آنذاك. وبعد إكمال العدة، تقدم إليها بعض وجهاء القوم الذين يعتدون بمكانتهم الاجتماعية أو فتوتهم ونضارة خلقتهم، ولكنها رفضت جميع من تقدم إليها، ثم أرسلت بعد حين لأحد الفلاحين، ولما قدم إليها قالت إنها ترغب في الزواج منه، ولكن بشرط أن يأتي للعمل في المزرعة نهارا فقط، مقابل أن تتنازل عن المبيت ليقضيه مع زوجته وأولاده، فوافق، وعمرت حياتهما بالسعادة، وكان وراء ذلك، رغبة الأرملة في المحافظة على ازدهار المزرعة التي بها مستقبل أبنائها من زوجها المتوفى، هذا الزواج كان يسمى زواجا مشروطا وليس "زواج مسيار". ويقابل هذا النموذج قصة واقعية لامرأة أخرى في عصرنا الحالي كانت تقوم برعاية والديها لعدم وجود من يرعاهما، وكانت ترفض من تقدم إليها طالبا الزواج، ولكنها قبلت فكرة الزواج فيما بعد خشية تقدمها في العمر وفوات الفرص، فاشترطت على من تقدم إليها بأن يكون اللقاء بزوجها خلال ساعات النهار فقط، كي تكون قريبة لوالديها أثناء الليل لحاجتهما إليها في الليل أكثر من النهار. هذه نماذج ناجحة وحلول شافية لظروف حقيقية بعيدة عن إساءة استغلال هذا النمط من الزيجات.
إذن، فالسؤال المطروح هنا، هل إطلاق اسم "زواج المسيار" أساء سمعة هذا النوع من الزيجات الموجودة في الماضي تحت اسم "الزواج المشروط"؟ أم أن بعض المفاسد نتيجة الممارسات غير الأخلاقية وغير الإنسانية أحيانا أسبغ سمعة سيئة على هذا النوع الذي قد يكون حلا شرعيا يحقق استقرارا أسريا وإشباعا لحاجة فطرية بطريقة شرعية مع حفظ حقوق الطرفين، خاصة مع زيادة تعقيدات الحياة وصعوبة الظروف المعيشية لدى بعض الناس، واتجاه المجتمع نحو توسيع الخيارات أمام الناس؟!

إنشرها