Author

لنحول الخسائر إلى مكاسب

|

مع تدشين "رؤية 2030"، أطلقت السعودية إحدى أهم مبادراتها من أجل تنظيم وتطوير بيئة الأعمال وحمايتها من شتى أشكال التلاعب والتزييف والخداع المنظم، وفي هذا المسار صدر نظام مكافحة التستر التجاري في بداية هذا العام. كما تعمل وزارة التجارة جنبا إلى جنب مع مؤسسات الدولة كافة في مكافحة هذه الجريمة الاقتصادية المنظمة وقد تم قبل عدة أسابيع إعلان القبض على رجل أعمال قام بتأسيس عدد من الكيانات التجارية الوهمية، وكذلك موظفو بنك، لاستغلال نفوذهم الوظيفي في الكسب المالي غير المشروع، والتستر التجاري، وغسل الأموال، وهذا مثال لحالات كثيرة منها ما تم كشفه ومنها لا يزال يمارس أنشطته غير المشروعة.
يقدر حجم التستر التجاري في السعودية بين 300 و400 مليار ريال سنويا ولا شك أن الاقتصاد الوطني يتكبد هذه الخسائر الباهظة، ومتى ما أدرك الجميع أضرار التستر "الاقتصاد الخفي" على وطنهم بالتزامن مع جدية الأنظمة الجديدة لمكافحة التستر، فإنه سيتم التضييق على أطراف هذه الجريمة من مواطنين ووافدين وهذا سيؤدي إلى التقليل من هذه الخسائر بشكل تدريجي وصولا إلى محاصرتها وتصحيح أوضاعها ومن ثم تحويلها إلى مكاسب يستفيد منها الاقتصاد المحلي وأنشطته التجارية.
بالأمس أطلقت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إنذارها للعالم أجمع للتنبيه بشأن خطورة هذه الممارسات المضللة، حيث أكد تقريرها الذي أخذ عنوان (إنهاء لعبة الصَدَفة: تضييق الخناق على المهنيين الذين يمكنون جرائم الضرائب وأصحاب الياقات البيضاء)، وتم في هذا التقرير وصف شركات الصدفة" shell companies وهي الشركات التي تستخدم للتهرب الضريبي وغسل الأموال، أو تعمل من خلال إخفاء الهوية الحقيقية للمالك الأصلي للأصول من أجل حمايته من الدائنين أو السلطات الحكومية.
وهذا الوصف لهذه الشركات ينطبق تماما على التستر التجاري، حيث عرفت المادة الثانية من نظام مكافحة التستر بأنه اتفاق أو ترتيب يمكّن من خلاله شخص شخصا آخر غير سعودي من ممارسة نشاط اقتصادي في المملكة غير مرخص له بممارسته باستخدام الترخيص أو الموافقة الصادرة للمتستر، وقد أكد التقرير الدولي من جانبه "إنه ينبغي للدول زيادة الجهود الرامية إلى تحسين طرق ردع وكشف وتعطيل أنشطة المهنيين الذين يمكنون الأفراد والشركات والكيانات من التهرب الضريبي والجرائم المالية الأخرى"، وحذرت المنظمة من هذه الشركات الوهمية التي تعد ظاهرة تجارية مستخدمة في الأسواق.
ويتبين أن الجهود التي قامت بها الحكومة السعودية كانت لافتة في تعريف هذا النوع من الشركات ودورها في هدر مقدرات الاقتصاد، في حين أكد تقرير للبنك الدولي أن القطاع غير الرسمي يسـتأثر بنحو 70 في المائة من العمالة و30 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في الأسواق الناشئة والدول النامية، وأنه يرتبط بانخفاض الإنتاجية وضعف الإيرادات الضريبية وزيادة الفقر وعدم المساواة، والفرص المفقودة.
لكن تقرير المنظمة الدولية يضيف الدور الذي يقوم به المهنيون الذين يقدمون الاستشارات والتقارير المهنية التي من خلالها يتمكن المتورطون في هذا النوع من الجرائم ويلعبون دورا حاسما في تخطيط النشاط الإجرامي ومتابعته، وقد عرفهم التقرير بأنهم يمثلون "عناصر التمكين المهنية" ومع الأسف فإن معظم مقدمي الخدمات المحترفين ملتزمون بالقوانين والأنظمة، ويلعبون دورا مهما في مساعدة الشركات والأفراد على فهم القانون والامتثال له.
فالتنويه الذي حمله تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والذي يعد إضافة مهمة للجهود التي تقوم به الدول في مكافحة التستر والفساد هو التعامل مع المهنيين الذين يستخدمون مواقعهم وأسماءهم النظامية ومهاراتهم ومعارفهم المتخصصة لتمكين العملاء من الاحتيال على الحكومة والتهرب من التزاماتهم الضريبية. وكما قالت نائبة مدير مركز السياسة الضريبية والإدارة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فإن "عناصر التمكين المهني هي المفتاح للنجاح في ارتكاب جرائم التهرب الضريبي والرشوة والفساد، التي تعتمد على ضمان عدم الكشف عن الهوية وإخفاء المسار المالي".
والذي نستشفه من تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن العالم بكل منظماته الدولية المتخصصة في محاربة غسل الأموال بأشكاله المختلفة إلى الفساد والتستر تتحرك تجاه محاربة هذه الظاهرة التي تؤثر سلبا في حركة الاقتصاد العالمي، ونشر ثقافة النزاهة، وفرض العقوبات الصارمة ضد المتلاعبين، وردع المتورطين في التجارة الفاسدة، وتعطيل الأدوات التي يستخدمونها بطرق غير شرعية، للتهرب من الإجراءات الرسمية والتحايل بأسلوب التهرب الضريبي.

إنشرها