Author

الأفضلية الأسبوعية للإنجاز السريع

|
نتعامل مع الوقت بشكل تلقائي ونجده يفاجئنا مع أنه منتظم ويمكن توقع مراحله بكل دقة. منذ أن بدأت الأمم السابقة في استخدام التقويم لضبط أوقاتها، كان المبدأ الأساسي هو تقسيم الزمن إلى مراحل تساعد على مراجعة السابق وتخطيط القادم. وما زلنا حتى اليوم نستخدم هذه المراحل الأساسية نفسها "الساعة واليوم والأسبوع والشهر والعام" في إدارتنا لأعمالنا وخططنا. تختلف هذه المراحل في تقديرنا حسب ما نقوم به، ربما وصل بعضنا إلى العمل والإنجاز في الجزء من الثانية كالرياضيين والمهندسين، وربما اهتم البعض بمرحلة جديدة تعادل الفصل من العام - مثل ربع العام عند المنشآت التجارية - الذي أصبح محطة الإنجاز الأكبر ومرتكز التخطيط الأهم. تتأثر نظرتنا لهذه المراحل بمسألة أخرى إضافة إلى طبيعة العمل أو المهمة التي نحن بصدد القيام بها، ألا وهي تغيير نمط الأداء وسرعته في الأعوام الأخيرة، ومن لا يلاحظ ذلك ويستجيب له سيجد نفسه يحاول اللحاق وكل شيء بعيد عنه.
ينظر كثيرون إلى ترتيب أولوياتهم بشكل سنوي على المستوى الفردي والمؤسسي كذلك. وفي هذا إجحاف بقدراتنا وبالتوقعات والآمال التي نطرحها لأنفسنا. ويعمل كثير من المنظمات بالاستهداف السنوي والتنظيم الربعي، وفي هذا أيضا إجحاف بالقدرات وفتح لثغرات الهدر والفوضى. نعم، استراتيجيا لا بد أن تتجاوز الخطط والأهداف العام الواحد، ثم تنزل إلى مستوى العام ثم إلى ما هو أقل. لكن تنفيذيا يظل الأسبوع وحده الإنجاز الأفضل الذي يمكن به الربط بين الأداءين الفردي والجماعي.
يعمل كثير من المنظمات على مستوى الإنجاز والاستهداف بشكل ربع سنوي، وتقوم الناضجة منها بالتقرير عن الأداء بشكل شهري، وغالبا ما يكون هذا التقرير مرتكزا على المحاور المالية فقط، وقلما تجد من يرفع تقاريره للأعمال التشغيلية والمعلومات غير المالية الأخرى بشكل شهري، ونادرا ما يكون في فترات أقصر من ذلك. هناك من يقول: إن الأسبوع قصير جدا، والأسبوع فعلا قصير لكنه قصير بالحد المناسب الذي يسمح لنا بالسيطرة عليه.
الاعتماد على الأسبوع لتحقيق الإنجاز يعتمد على ثلاثة عناصر: الأول، قدرتنا على الاستهداف بشكل أسبوعي "وهذا يعني توزيع المستهدفات وتفكيكها"، الثاني، قدرتنا على التقرير بشكل أسبوعي وهذا يشمل آلية المتابعة التي تقيم النتائج الأسبوعية وتعيد التوجيه نحو المسار المستهدف، والثالث وهو الأهم في رأيي، الثقافة التي تسمح بالعمل والإنجاز القائم على التعاون خلال فترة أيام العمل في الأسبوع. والعنصر الأخير يعني القدرة على التجاوب السريع والتفاهم السريع. فطلب اجتماع سريع يعني تواصلا عمليا ومنجزا يحصل خلال ساعات، وطلبات المعلومات التي تطلب خلال ثلاثة أيام لا يتم الرد عليها بأن إعدادها يتطلب عشرة أيام إضافية، وهذا يعني ما يكفي من الفاعلية والصدق والحماس. ولهذا نجد أن الإنجاز بشكل أسبوعي يتطلب ثقافة ممنهجة تسمح للعمل بأن يحصل بهذه الطريقة.
من مميزات تقدير النظام الأسبوعي للإنجاز ربطه بين الأداءين الفردي والجماعي، وهذا لأن الفرد بطبيعته يتعامل مع اليوم بأنه وحدته الزمنية الأساسية التي يشحذ فيها قواه بالنوم والراحة ويعمل فيها بشكل متواصل خلال ثلث اليوم الأول. لكن، لا يمكن في العادة تحقيق عمل أو إنجاز يتطلب مجهود فريق عمل كامل أو أكثر من فريق خلال اليوم فقط، لأن عدد الساعات المطلوب لتحقيق التواصل والتعلم وتناقل المعلومات والإعداد والتركيز والإنجاز سيكون أكثر من ثماني ساعات بكثير، قد يكون 16 ساعة أو 36 أو حتى مئات الساعات، لكن تقسيم هذه الساعات على المستوى الجماعي إلى ساعات الأسبوع (أي 40 ساعة تزيد أو تنقص) يجعلها قابلة للإدارة وقادرة على صنع نتيجة ملحوظة يمكن بها تحقيق مستهدفات صغرى واضحة قابلة لبناء المستهدفات الكبرى التي تتحقق في ربع العام أو العام.
هناك جانب فردي آخر يساعد بشكل أكبر على فهم أفضلية الأسبوع، وهو أن الأسبوع يعد المرحلة الأقصر التي يكتمل فيها عدد معتبر من الساعات وينتهي بإجازة راحة جيدة، ولهذا يقدر المنجزون الذين يعرفون كيف يوازنون بين العمل والحياة الشخصية الأسبوع بشكل كبير وإجازته بشكل أكبر. ستجد أن أسبوعهم منجز وسريع جدا وإجازتهم مشبعة جدا، تكون فيها عادة أنشطة خاصة بهم وذات طبيعة مختلفة عما يحصل أيام العمل، بظني هؤلاء من أكثر المنجزين سعادة، وهم قطعا أقرب للراحة والسعادة من الذي لا يهتم بالتوازن ويضغط نفسه معظم أيام الشهر والعام ولا يرتاح إلا في إجازته السنوية وربما لا يفعل. وهو أيضا أقرب للسعادة من الذي يبدأ الأسبوع ولا يشعر بحماس بدايته، وينتهي وهو لا ينتظر إلا تكرار الراحة من العمل دون أي حماس لما هو مختلف ومفضل لديه، فكل الأيام عنده بالطعم نفسه.
إنشرها