الشباب القاتل

منذ أن تتخطى الـ40 خصوصا إذا كنت امرأة أو الـ50 إذا كنت رجلا، ستجد تحولا في نظرة من حولك إليك وكأن تاريخ ميلادك عار أو جريمة. يشعرونك بأنك لا بد أن تختفي خلف انعكاس سن شعراتك البيضاء وتتوارى في تجاويف خطوط الزمن التي ترسم تاريخ حياتك وتروي تفاصيل خبراتك. يريدون منك أن تحلم لهم وبهم ولا تحلم لنفسك، ويعتقدون أنك اكتفيت من الحياة ولا يرون منك إلا عدد أعوام عمرك، فما بالك بمن تجاوزوا الـ60 أو من تربع على عرش الـ80!
كلمه تسمعها سرا وعلانية، هل ستأخذ عمرك وعمر غيرك؟!
والسؤال الملح هنا، من يحدد عمرك، هل هي الأيام والسنون، أم صحتك وعطاؤك وعنفوانك، هل هو أنت أم هم؟!
لقد أقرت منظمة الصحة العالمية تصنيفا جديدا لمراحل عمر الإنسان في عام 2018، وأعلنت أن مرحلة الشباب ممتدة حتى عمر الـ65 عاما، ونتمنى أن يغير هذا التصنيف الصورة النمطية والانطباع السائد في العالم العربي، أن وصول الرجل إلى عمر الـ60 والمرأة إلى عمر الـ55، يعني انتقالهما إلى فئة كبار السن أو الشايب والعجوز، ويحملان لقب "يا خالة ويا عم" ويمنحان شهادة العزلة والعجز وهذا منتهى التمييز العمري الذي لا يكاد يختلف عن التمييز على أساس اللون أو الجنس، من منحكم حق قتل أرواحهم وهم يمشون على الأرض وسلب نعمة حياة وهبها الله لهم؟!
لن أتحدث عن إنجازات ونجاحات أصحاب هذه الفئة العمرية، ولكن سأركز على إقصائهم بمجرد بلوغهم عمر الـ60، الذي لا يقتصر على سوق العمل وسن التقاعد، بل يمتد ليشمل عديدا من المجالات الأخرى، مثل الرعاية الصحية والإسكان. ورغم أن التمييز العمري يشمل جميع الفئات العمرية الأخرى. إلا أنه أكثر شيوعا وخطورة بالنسبة إلى كبار السن وله عواقب سلبية، خصوصا على صحتهم النفسية والبدنية ويعزز لديهم الشعور بأنهم أصبحوا عبئا على المجتمع وأن حياتهم بلا قيمة. وهذا ما دعا منظمة الصحة العالمية للإعراب عن أسفها، لأن التمييز على أساس العمر مقبول اجتماعيا أو على الأقل مسموح به في العادة، على النقيض من العنصرية والتمييز الجنسي المحظورين.
سيتضاعف عدد الأشخاص البالغين من العمر 60 عاما أو أكثر بحلول عام 2025، وسيصل عددهم إلى ملياري شخص في العالم بحلول عام 2050، لذا يتحتم على الدول الاستفادة من وجودهم اقتصاديا واجتماعيا ولن يتم ذلك إلا بالقضاء على كل أشكال التمييز ضدهم وتعزيز التواصل بين الأجيال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي