Author

التواصل في ظل وسائل التواصل

|
التواصل مع الآخرين والسؤال عن أحوالهم يقوي لحمة المجتمع ويزيد من تماسكه وقوة أواصره، وهو مطلوب بين الناس كلهم، ولكنه بين الأقارب وذوي الرحم أشد وجوبا، (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام...) الآية، وأحاديث نبوية كثيرة تحث بل توجب صلة الرحم، "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه". وقد جاءت الآن وسائل التواصل الاجتماعي على اختلاف أنواعها لتحل محل اللقاءات المباشرة بين الناس والأقارب على وجه الخصوص. فما مدى تأثير ذلك في المجتمع؟ وهل يعد مثل هذا تواصلا حقيقيا أم لا؟ الواقع يشير وبوضوح إلى أن التواصل يتجه وبقوة إلى أن يكون تواصلا افتراضيا تكاد معه العلاقات الإنسانية أن تتحول إلى علاقات ميكانيكية جامدة خالية من الروح ومن نبض الحياة، ما قد يؤدي إلى فقدان الإحساس بالمشاركة الفعلية بين الناس. تشير الدراسات إلى أن النسبة الطبيعية التي تنتج من خلال العلاقات المباشرة بين الناس هي 30 في المائة لغة خطاب وأن 70 في المائة هي لغة تواصل ومشاعر. ولك أن تتخيل مدى ما سيصيب تلك العلاقات إذا ما اقتصر التواصل على وسائل التواصل! نعم لقد فرضت المدنية الحديثة أن تتباعد البيوت وأن ينشغل الناس عن بعضهم بعضا، ولذا فإن الاستفادة من وسائل التواصل الحديثة يعد أمرا محمودا، مثل أن تنشأ مجموعات افتراضية للتواصل بين الأقارب والزملاء والجيران. ومع ذلك فإن الناظر الآن إلى العلاقات الأسرية ليشعر بالأسى بسبب هذا التباعد ويخشى أن يتعود النشء على هذه الظاهرة الافتراضية فقط، وهذا بلا شك خطأ جسيم في التربية الأسرية، إذ يجب على الوالدين أن يحرصا بين الحين والآخر على اللقاءات المباشرة مع أقاربهما وذوي أرحامهما وأن يصطحبا أبناءهما معهما لتعويدهم على مثل هذا الأمر، وأن يغرسا في عقولهم أن التواصل المباشر في صلة الأرحام يعد أمرا مهما وأن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لا يغني بحال من الأحوال عن المقابلات المباشرة. إن المجتمعات بحاجة إلى انتفاضة وعي تعيد الأمور إلى نصابها ويأتي هنا دور الجميع بدءا من الوالدين والأسرة الصغيرة مرورا بعلماء النفس والاجتماع وانتهاء بوسائل الإعلام المختلفة، حتى نتمكن من إبقاء الروح حية في نفوس الجميع، ويكون المجتمع متماسكا وقويا تشيع بين أفراده روح المحبة والألفة الصادقة.
إنشرها