Author

اقتصاد الفضاء ليس ترفا 

|

 تتسع دائرة ما يمكن تسميته "اقتصاد الفضاء" يوما بعد يوم، ويتزايد الاهتمام العالمي باقتصاد الفضاء أو الاستغلال التجاري والاقتصادي للمصادر الطبيعية خارج حدود كوكب الأرض، ويتضح حجم ومدى هذا الاهتمام من حقيقة حجم الاستثمار فيه، الذي بلغ مليارات الدولارات خلال الفترة الأخيرة، ولا سيما في ظل التقدم التقني الكبير، الذي يحدث بصورة مستمرة في هذا المجال.

وهذا الاقتصاد يشمل كثيرا من القطاعات التي توفر له خدمات وتقنيات مباشرة وغير مباشرة، والاستثمار فيه صار جزءا لا يتجزأ من الحراك الاقتصادي العالمي، مع انضمام دول جديدة بصورة مستمرة أيضا إلى قائمة الدول التي تضع منذ عقود برامج الفضاء وتنفذها بأشكال مختلفة، بما في ذلك سبر أغوار كواكب المجموعة الشمسية، حتى ما بعدها.

هذا الميدان يتسع، عبر الأقمار الاصطناعية، والتطوير المتواصل لمحطة الفضاء العالمية، التي دخلت هي الأخرى بصورة أو بأخرى ساحة الاستثمارات، بما يتناسب مع مهامها المدعومة في الأغلب من الجهات الحكومية العالمية.

وتشير التوقعات كلها إلى أن حجم اقتصاد الفضاء سيبلغ في منتصف القرن الحالي 1.5 تريليون دولار، وهذه القيمة ليست حكرا على الجهات الحكومية بالطبع، لأن القطاع الخاص حول العالم يشترك معها، حتى إن هذا القطاع يضغط بشدة من أجل تسريع اعتماد ما أصبح يعرف حاليا بـ"السياحة الفضائية". فالاستثمارات في "الفضاء" صارت أساسية، لأن هذا القطاع يرتبط مباشرة بالاتصالات، وغيرها من الخدمات، التي أصبحت جزءا من هوية المستقبل.

إلى جانب ذلك، يرتفع الطلب بقوة على خدمات التلفزيون فائق الدقة، والإرسال عبر القارات، فضلا عن النمو المستمر لنشر مقاطع الفيديو، والوصول إلى الإنترنت، وزيادة سوق الاتصالات والبث، وغير ذلك من الخدمات ذات الصلة، التي تتطلب مزيدا من الاستثمارات وأصبحت توفر العوائد المجزية، وتحتاج إلى مزيد من الابتكارات في مجال تسريع تقنية الاتصالات بكل روابطها، وفي مقدمتها التلفزيونية. السوق العالمية للأقمار الاصطناعية، وهي محور رئيس في "اقتصاد الفضاء"، تشهد نموا لافتا، فالمتوقع أن ينمو هذا القطاع إلى أكثر من سبعة مليارات دولار بحلول عام 2025. وفي المرحلة المقبلة، ستشهد هذه الأقمار مزيدا من التوسع والتقدم على صعيد صناعتها، فالأدوات الفضائية كلها تغيرت بصورة سريعة منذ صناعتها حتى اليوم، من حيث الشكل والإمكانات والقدرة على مواكبة الطلب على خدماتها بأعلى مستوى من الجودة.

وهذا التغير يمضي قدما، بفضل الابتكارات التي لا تتوقف في هذا المجال، ما جعل القطاع الخاص يدخل الساحة في مجالات التصنيع حتى إطلاق الأقمار الاصطناعية. وتسهم شركات مختلفة، ولا سيما تلك المختصة بمجالات الاتصالات والإعلام، في رفع مستوى هذه الاستثمارات يوما بعد يوم. أعداد الشركات الاستثمارية ستشهد ارتفاعا كبيرا في هذا المجال لاحقا، فعلى الرغم من وجود سبع شركات كبرى فقط تستثمر مباشرة في مجال الفضاء والاتصالات "هناك عشرات الشركات ترتبط بروابط غير مباشرة في هذا الميدان"، إلا أن حصة القطاع الخاص - مثلا - في صناعة الفضاء والأقمار الاصطناعية، تصل إلى 60 في المائة، ولا سيما أن قيمة هذا الجانب في هذه الصناعة تصل إلى أكثر من 380 مليار دولار.

علما بأن مشاركة القطاع الخاص القوية في هذه السوق لم تبدأ إلا مطلع العقد الماضي، عندما قرر الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما أن يكون لهذا القطاع دور متصاعد في هذه الصناعة. اقتصاد الفضاء يتسع بصورة متسارعة، وتكاليف الوصول إلى الفضاء تنخفض بسرعة أيضا، ما يسمح لجهات استثمارية من كل الأحجام بدخول هذه الصناعة، ما يعزز التعاون المحوري بين الجهات الحكومية والخاصة في مجال يرتبط بالمستقبل مثلما يتصل بالحاضر.

إنشرها