يقظة وشفافية .. لا تنبؤات فردية 

 
"يجب على منتجي النفط توخي أقصى درجات الحذر"، هكذا قالها صراحة وبكل وضوح وشفافية الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي، وأعلنها خلال افتتاح أعمال الدورة الـ11 لندوة منتدى الطاقة العالمي ووكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك. وتعد هذه العبارة ضمن أهم العبارات التي قيلت في اقتصاد النفط. فالمتتبع لتاريخ اقتصاد النفط، يرى أن المشكلات تأتي دوما على هذه السوق عندما يفقد المنتجون خصوصا حذرهم، عندما يصدق البعض منهم بشكل غير علمي ولا منهجي وبشكل فردي فقط، تلك الروايات التي تقولها بعض الوكالات عن مستقبل السوق النفطية والاقتصاد العالمي، وتسميها أبحاثا. لقد أثبتت الأيام في علم اقتصاد النفط ومفاهيمه أن الحقيقة هي ابنة المستقبل وليس الماضي، وهنا يقدم وزير الطاقة السعودي تجربة كورونا نموذجا في قوله، "إنه من السابق جدا لأوانه إعلان الانتصار على فيروس كورونا، ويجب على منتجي النفط الاستمرار في توخي أقصى درجات الحذر"، وهذه إشارة رائعة بأن التحسن في الأسعار، الذي تشهده السوق، ليس إعلانا بالانتصار، وليس نهاية معركة مع الفيروس، لكنه نتيجة التصرفات الحكيمة والقرارات الجماعية الجيدة، فالحرية المطلقة للأسواق ليست صحية، لا للمنتجين ولا حتى للمستهلكين.

وفي حين كانت المملكة ترى حجم الكارثة القادمة من جراء انتشار الفيروس، فإن حقيقة القلق جاءت من ردات الفعل الفردية للمنتجين خارج سياق القرار الموحد. وهنا يقول الأمير عبدالعزيز بن سلمان، إن المملكة شددت على الحاجة إلى اليقظة والتحرك، لكن تطلب الأمر بعض الوقت ليقتنع الآخرون بهذا الرأي، وحينئذ كانت الأزمة قد تحولت وتعمقت، فالقلق لم يكن من الحدث والمستقبل الذي يتنبأ به البعض، بل القلق من تصرفاتنا الفردية تجاه هذا المستقبل، الذي يحول أبسط المشكلات إلى قضايا معقدة. لقد احتاجت دول العالم إلى أن تجرب بنفسها آليات الخوف وتأثيرها في الاقتصاد العالمي قبل أن تقتنع بأن التصرف الحكيم والجماعي أقل من الخوف، وهكذا كانت النتيجة عندما سمع العالم صوت الحكمة الصادر من المملكة.

وقد أشار وزير الطاقة السعودي، بوضوح، إلى أن تعديلات الإنتاج التاريخية التي اتخذتها الدول المنتجة من منظمة أوبك والدول المنتجة من خارجها، والدعم الكبير الذي تحقق في اجتماع وزراء الطاقة لدول مجموعة العشرين برئاسة المملكة، خففت أثر صدمة جائحة كوفيد - 19، معززة أمن الطاقة واستقرار الأسواق، والآن نحن أفضل بكثير من العام الماضي، لكن القاعدة الأكثر صمودا في تاريخ الأسواق وتعززت اليوم، هي العمل بحذر في اتخاذ قرارات جماعية بشأن الوضع الراهن وليس بناء على التنبؤات. كان حديث الأمير عبدالعزيز بن سلمان، قاطعا بشأن التنبؤ في السوق النفطية، فمحاولة التنبؤ بالمستقبل، حتى القريب منه، غير ذات جدوى، والأفضل الاستعداد والمرونة، من خلال العمل الجماعي لمواجهة التحديات القادمة الفعلية وليست التخمينية.

ولم يقلل الأمير والخبير في شؤون النفط من أهمية نماذج التنبؤ العلمية من أجل التخطيط، لكنه صرح بمحدودية تلك النماذج، لأنها تعتمد على الافتراضات ولا تراعي الأحداث غير المتوقعة، والمستقبل يحل دائما غير المتوقع، وبهذا تكون التنبؤات خاطئة في المستقبل. هذا الحديث الدقيق والمهني جدا، وجد صداه في حديث مدير وكالة الطاقة الدولية، خلال أعمال ندوة منتدى الطاقة العالمي، الذي أكد أن العمل الجماعي الذي قادته المملكة خلال اجتماع مجموعة العشرين، كان له مردود غير عادي، وله تأثيرات واسعة، خاصة في صناعة النفط العالمية، فيما يتعلق بمواجهة المخاطر وتحقيق الاستقرار، حيث واجهت المجموعة كل التحديات بقوة وفاعلية وبأدوار مهمة ومؤثرة.

وإذا كان الحديث قد تركز حول التأثير السلبي للتنبؤات غير الدقيقة في مستقبل صناعة النفط، فإن هذه التنبؤات فشلت حتى الآن في تحديد المدى الزمني للوصول إلى ذروة الطلب على النفط، فالاقتصادات الناشئة ترفع دوما استهلاك النفط الخام، كما أن عملية رفع مستوى المعيشة للمواطنين وزيادة حركة التنمية والتحضر، جعلت الطلب على النفط مستمرا في النمو. وإذا كان النفط كصناعة، عانى بشكل واضح بسبب كوفيد - 19، فإن كل موارد الطاقة عانت أيضا، حتى موارد الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية والرياح.

وفي هذا رد بليغ على من يرى أن التقلبات في سوق النفط تعكس زيادة الطلب العالمي على مصادر الطاقة الأخرى، فقد عانى الجميع في العام الماضي، وكان إعلان التعاون بين "أوبك" وخارجها، ووضع الآليات المهمة والمؤثرة للتغلب على الأزمة، هو الذي مهد للتعامل بشكل حاسم مع الانهيار الواسع في عام 2020، وهو دون شك مفتاح الحل لبقاء التعافي أطول فترة ممكنة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي