ما أسباب جاذبية الأسهم الأمريكية للسعوديين؟
هناك جاذبية عالية لتداول الأسهم الأمريكية في السعودية من قبل فئات عديدة من المستثمرين، والسبب غالبا يأتي نتيجة الارتفاعات الحادة، التي نراها في الأسهم الأمريكية بين الحين والآخر، سواء على مستوى السوق ككل أو في شركات وقطاعات محددة. وكان آخر نزوح جماعي إلى الأسواق الأمريكية تم في نهاية التسعينيات الميلادية إلى ما بعد فقاعة الإنترنت بعام أو عامين.
كم هي نسبة مشاركة السعوديين في الأسهم الأمريكية هذه الأيام ؟ وما أبرز المحفزات وإلى متى سيستمر التعامل بالأسواق الأمريكية بشكل عام؟ هذه الأسئلة وغيرها نطرحها في هذا التحليل ونحاول الإجابة عن بعضها.
هل بالفعل أسواق الأسهم الأمريكية تمنح عوائد أعلى من نظيرتها السعودية ؟
بشكل عام، يبلغ العائد السنوي التراكمي في الأسواق الدولية المتقدمة نحو 8.5 في المائة بحسب دراسة امتدت على مدى 112 عاما قام بها الكتاب السنوي لمجموعة (كريديت سويس)، وبالنسبة لمؤشر داو جونز الأمريكي فهو أعلى بقليل من هذه النسبة، فكم هي نسبة النمو في الأسهم السعودية؟ لو نظرنا إلى الأعوام القليلة الماضية، سنجد أن العائد الكلي لآخر خمسة أعوام بلغ 7.5 في المائة في السوق السعودية، وبلغ 14 في المائة في السوق الأمريكية، وهذا فارق كبير ربما يكون أحد أهم الأسباب لاتجاه بعض المستثمرين إلى الخارج.
ولو نظرنا إلى آخر خمسة أعوام (2015 إلى 2020) لوجدنا أن الفارق أكبر من ذلك، حيث بلغ العائد التراكمي الكلي في السعودية 5.6 في المائة، مقابل 13.3 في المائة للسوق الأمريكية.
وعلى الرغم من ذلك، بحسب دراسة قمت بها أخيرا، يبلغ المتوسط التاريخي للعائد الكلي لسوق الأسهم السعودية على مدى 36 عاما 9.1 في المائة، وهذا شبيه بما نراه في الأسواق العالمية، يمكن للقارئ مراجعة مقالة كتبتها هنا في صحيفة الاقتصادية حول هذه الدراسة.
هل الأسهم الأمريكية أقل تذبذبا من الأسهم السعودية؟
الأسهم الأمريكية لا تقل في تذبذبها، وبالتالي في خطورتها، عن الأسهم السعودية أو غيرها من الأسهم، حيث رأينا تقلبات حادة على بعض الأسهم بارتفاعات كبيرة في يوم واحد وانخفاضات حادة في يوم آخر.
مؤشر داو جونز هو رمز الأسهم الأمريكية، إن صح التعبير، ويستخدم في التعبير عن تحرك الأسهم الأمريكية. هذا المؤشر تعرض لتقلبات حادة خلال يوم واحد فقط، منها ثلاثة تقلبات تاريخية جميعها حدثت في شهر مارس عام 2020، منها ارتفاع بمقدار 11.37 في المائة وارتفاع آخر 9.36 في المائة، ثم انخفاض حاد 8.04 في المائة. من المفارقات العجيبة في تقلبات مؤشر داو جونز أن سبعة من أكبر عشرة تقلبات حدثت في الـ 33 عاما الماضية، حدثت جميعها في شهر أكتوبر!
بالنظر إلى أكبر الشركات الأمريكية وأهمها، وهي 500 شركة يتم رصدها من قبل مؤشر إس آند بي 500، نجد أن أكبر ارتفاع تحقق في 2020 كان من نصيب سهم شركة "تسلا" للسيارات الكهربائية، حيث ارتفع السهم نحو سبع مرات ونصف، ثم شركات أخرى في مجالات متنوعة، كالتجارة الإلكترونية لشركة "إتسي" وشركة الشرائح والمعالجات الإلكترونية "إنفيديا"، إلى جانب شركة "باي بال" المختصة بالمدفوعات الإلكترونية خارج البنوك. وجميع هذه الشركات تعد شركات كبيرة ومعروفة ومتداولة بشكل كبير، لذا فإن أي ارتفاع يتجاوز 100 في المائة يعد كبيرا ومهما.
ولكن لو نظرنا إلى الشركات الأمريكية بشكل أكثر عمومية ونظرنا إلى الشركات المشمولة في مؤشر راسل 2000، وهي شركات متنوعة في عدة مجالات وغالبا ليست بضخامة شركات داو جونز أو إس آند بي 500، وشبيهة بشركات ناسداك، لوجدنا واحدة منها خلال 2020 ارتفعت أسهمها 27 ضعفا، وشركات أخرى شبيهة بها ارتفعت كذلك عدة مرات، إلى جانب شركة واحدة مختصة بالذكاء الاصطناعي بلغ ارتفاع سهمها نحو 24 ضعفا خلال عام واحد فقط.
مثل هذه الارتفاعات الشاهقة هي من يجلب المستثمرين إلى الأسواق الأمريكية، وهم بالمناسبة يأتون من كل مكان حول العالم، ليس فقط من السعودية، علاوة على توفر وسائل استثمارية وتحوط عالية في الأسواق الأمريكية من خلال البيع على المكشوف وعقود الخيارات والعقود المستقبلية وصناديق الاستثمار المتداولة بأنواع عديدة وباستخدام رافعات مالية عالية.
ما حجم المشاركة السعودية في الأسواق الأمريكية؟
لا توجد إحصاءات رسمية لعدد المحافظ السعودية في الخارج ولا حجمها، ولكن يوجد رصد لقيم التداول في الأسهم الأمريكية، التي تتم عن طريق الوسطاء المحليين، أي عن طريق المصارف والوسطاء في المملكة ممن يقدم خدمة تداول الأسهم الأمريكية، حيث تقوم هيئة السوق المالية بنشر هذه الإحصائية كل ثلاثة أشهر. ولكن يجب الوضع في الحسبان أن نسبة كبيرة من المتعاملين بالأسواق الأمريكية يقومون بذلك عن طريق فتح حسابات لدى وسطاء داخل أمريكا عن طريق الإنترنت، وباعتقادي أن هذه النسبة أكبر من نسبة، الذين يتعاملون مع وسطاء محليين.
بلغت تداولات آخر ربع من 2018 نحو 12 مليار ريال فقط، وبدأت تنخفض نسبيا حتى نهاية الربع الثاني من 2019، ثم أخذت في الارتفاع مرة أخرى إلى أن وصلت 114 مليار ريال بنهاية الربع الثالث 2020. وحتى تاريخه لم تصدر إحصائية الربع الأخير من 2020، ولكن باعتقادي أنها أكبر بكثير من 114 مليار ريال.
عمولة التداول في أسواق الأسهم الأمريكية من خلال الوسطاء المحليين
كما ذكرت عدة مرات أن عمولة تداول الأسهم المحلية مبالغ فيها وغير صحية، ولكن كيف يمكن فهم الفارق الكبير بين عمولة الوسطاء الأمريكيين وعمولة الوسطاء المحليين في تداول الأسهم الأمريكية؟
لدراسة الفارق بين مستوى العمولة بين الجهتين، قمت بعمل مقارنة بين التكلفة السائدة بين الوسطاء في أمريكا الذين تبلغ عمولتهم بين صفر دولار إلى نحو عشرة دولارات لكل عملية، بغض النظر عن حجم الصفقة ولا سعر السهم ولا عدد الأسهم، وبين العمولة التي تدفع للوسيط المحلي.
تم اختيار وسيطين من أكبر وأهم الوسطاء على المستوى المحلي، وتمت مقارنة صفقات بأعداد متنوعة وأسعار مختلفة، ومنها نرى أن العمولة تصل إلى أربعة آلاف وخمسة آلاف دولار في بعض الصفقات، مقابل فقط عشرة دولارات كحد أعلى في أمريكا.
جميع الوسطاء في المملكة يعملون بمبدأ مبلغ العمولة يعتمد على حجم الصفقة وعدد الأسهم، وهو المبدأ الذي تم توارثه عبر الأعوام في السوق المحلية، ولا يزال هناك تمسك كبير به، حتى إن كانت التكلفة الفعلية للعمولة على الوسطاء أنفسهم لا تأخذ حجم الصفقة في الحسبان. بمعنى أننا نتفهم كيف أن عمولة تداول الأسهم المحلية تحكمها الطريقة، التي تعمل بها هيئة السوق المالية، التي تأخذ حجم الصفقة في الحسبان، لكن ما عذر الوسطاء في تداول الأسهم الأمريكية ؟
خاتمة
تداول الأسهم الأمريكية معروف لدى كثير من المتعاملين في المملكة من أعوام طويلة، ولا يزال هناك كثيرون يفتحون حسابات مع وسطاء أمريكيين، وآخرون يتداولون عن طريق وسطاء محليين، ميزة الوسيط المحلي أن عملية فتح الحساب والتحويل بين الحساب الجاري والاستثماري أسهل من الوسيط الخارجي، ولكن ذلك يأتي على حساب عمولة عالية جدا، قد لا تكون مهمة للمستثمرين على المدى الطويل، ولكن بكل تأكيد لا تناسب المضاربين النشطين، الذين يفضلون التعامل مع الوسيط الخارجي.
أسواق الأسهم الأمريكية تمر بمراحل صعود تمتد لعدة أعوام، وتنتهي غالبا بانهيارات تمتد لعدة أعوام. والتعامل في الأسهم الأمريكية يتطلب معرفة بتاريخ الفقاعات وطريقة تشكلها والعوامل، التي عادة تنبئ عن قرب انفجارها، إلى جانب معرفة بعض الطرق الضرورية للتحوط وحماية رأس المال، من خلال بعض الوسائل المتاحة.