Author

حكاية البورش واللكزس

|


fahadalahmdi@

 

قبل جائحة كورونا زارني أحد أقربائي بعد غيبة طويلة. ورغـم أنه لم يكن شخصا معـدما، ظـل أعواما يقود سيارة متهالكة من حقبة التسعينيات. لفت انتباهي حضوره بسيارة لكزس جديدة وغالية، فـسألته مازحا: مـاذا حدث؟ هـل مات والـد زوجتك؟ ضحك وقال: لا، لكن كانت لدى 200 ألف ريـال لا تكفي لشراء اللكزس، فــاقترضت مثلها من البنك واستأجرت فندقا صغيرا قرب الحرم. ومن إيجــارات الفندق، اشتريت هذه السيارة بالتقسيط. أعجبت بحسن تصرفه، وأخبرته أن شراءه اللـكزس ذكرني بقصة روبرت كيواساكي، الذي اشترى سيارته البورش بطريقة مشابهة. كانت البورش "سبيدستار 1988" حـلم حياته، لكنها كانت سيارة نادرة الوجود ويتجاوز ثمنها 120 ألف دولار. وذات يوم اتصل به صديق يملك معرضا للسيارات ليخبره أنه عثر على سيارة من هذا النوع. ظنه يمزح، لكنه سأله "وهو موقن أنه لا يستطيع دفع 120 ألف دولار": كم سعـرها؟ قـال البائع: 50 ألف دولار، ولم تـقطع سوى ستة آلاف ميل. وهنا دخل روبرت في ورطة مع نفسه. فالسيارة فرصة لا تتكرر، لكن حسابه لا يوجد فيه سوى 50 ألف دولار فقط. حتى زوجته كيم رفضت بعناد صرف مدخراتهما لشراء سيارة لا يحتاجان إليها، وذكرته بالنذور التي قطعاها في ليلة زواجهما "نشتري الخصوم، من عائدات الأصول فقط". وهكذا بدأ روبرت يبحث عن "أصـل" يشتري من خلاله البورش، فـبدأ يتصل بـمكاتب العقارات للبحث عن "عقار استثماري" يستطيع تأجيره لاحقا. وجد عـرضا لبيـع مخـزن بمبلغ 250 ألف دولار، يتطلب دفـعة أولى قدرها 50 ألف دولار. وهكذا، دفع مدخراته كدفعة أولى لشراء المخزن "الذي يعد من الأصول المدرة للمال" وليس لشراء السيارة "التي تعد من الخصوم المستهلكة للمال".
وبعد امتلاكه المخزن، رهـنه لدى الـبنك مقابل قرض بـ250 ألف دولار. ومن هذا القرض "الــ250 ألفا"، اشترى السيارة بـ50 ألفا، وفاضت لديه 200 ألف دولار.
وبهذه الطريقة الذكية، اشترى السيارة، وامتلك أصلا عقاريا، وارتفعت مدخراته. في حين يتم تسديد القرض من إيجار المخزن. أعــرف أن القصة تبدو أجمل من أن تكون حقيقية، لكنها "حقيقية" ولا يزال كيواساكي يحتفظ بالبورش ويستشهد بقصتها كلما ألقى محاضرة يشرح فيها الفرق بين الأصول والخصوم.
والقصتان - إجمالا - تشرحان كيف أن الرجلين استعملا "القـرض" لشراء أصول مدرة للمال. تصرفا بطريقة مـبتكرة مكنتهما من تحقيق رغباتهما، وفي الوقت نفسه زيادة دخلهما. لم يصرفاه على سلع استهلاكية تنخفض قيمتها فور امتلاكها، وتترك خلفها أقساطا يتطلب تسديدها عــدة أعوام.
أتـمنى أن تتذكر دائما قصتي اللكزس والبورش، لأنهـما تشرحان الفرق بـيـن الأصول التي "تدر المال"، والخصوم التي "تستهلك المال". بين القروض الاستهلاكية التي يتورط فيها عامة الناس، والقروض الاستثمارية التي تسدد نفسها وتـجلب لصاحبها مزيدا من المال.
إنشرها