كوبا المتأزمة .. الإنترنت المحمول ثورة جديدة وممر للبحث عن الوقود والخدمات
كوبا المتأزمة .. الإنترنت المحمول ثورة جديدة وممر للبحث عن الوقود والخدمات
منذ إدخالها إلى كوبا قبل عامين، بدلت شبكة الإنترنت المحمول الحياة اليومية لكثيرين، مع تأثيرات تطول شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية في بلد لا يزال كثير من سكانه يعانون بسبب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة.
وفي الوقت الذي دخلت فيه إصلاحات حكومية اقتصادية، حيز التنفيذ بعد أسابيع على إعلانها من قبل الرئيس ميغيل دياز كانيل بهدف جعل الاقتصاد الكوبي أكثر فاعلية وتسهيل فهمه من قبل المستثمرين الأجانب بعد 62 عاما على الثورة الشيوعية التي قادها فيدل كاسترو، أصبح الإنترنت ممرا إلزاميا للبحث عن الأطعمة أو الوقود وتوفير الخدمات للسكان.
الإصلاحات التي تضمنت زيادة كبرى في الأجور (525 في المائة كحد أدنى) ومعاشات التقاعد، اصطدمت مع ارتفاع في أسعار المنتجات الأساسية، مترافقة مع خفض الإعانات الحكومية.
ووفقا لـ"الفرنسية"، قبل نشر شبكة الإنترنت المحمول في كوبا في كانون الأول (ديسمبر) 2018، لم يكن الولوج إلى الخدمات الإلكترونية منذ إتاحتها عام 2015، ممكنا سوى من خلال أجهزة إرسال للإنترنت اللاسلكي مقامة في المتنزهات أو الساحات العامة.
وكان أشخاص كثيرون يتشاركون الاتصال بالشبكة في هذه المواقع خصوصا في فترات العصر ما يؤدي إلى بطء كبير وتقطع في الخدمة، غير أن هذه الصورة باتت من الماضي، فمع شبكة الجيل الثالث ثم الجيل الرابع، يستخدم 11.2 مليون نسمة في كوبا الإنترنت عبر هواتفهم راهنا.
وتقول مارتا إن انتشار الإنترنت المحمول دعمها في نشاطها التجاري في خدمة توصيل الطعام، أما ياسر فقد نجح في إنشاء مجتمع من سائقي الدراجات الهوائية عبر الإنترنت، فيما ذاقت كاميلا طعم الحرية لكن ما نشرته جلب لها المتاعب.
وتؤكد مارتا ديوس (32 عاما) صاحبة شركة "مانداو" لتوصيل الطعام " بوضوح، غير ذلك الحياة، يبدو ذلك طبيعيا جدا، أحيانا أستذكر أن كل هذا لم يكن موجودا عندنا قبل عامين وأقول "كيف كان ذلك ممكنا؟".
وفي هذه الجزيرة حيث يشكل انقطاع المنتجات تحديا دائما للسكان، باتت المجموعات عبر "واتساب" و"تلجرام" ممرا إلزاميا للبحث عن الأطعمة أو الوقود.
وتتيح مجموعات بيع المنتجات أو مقايضتها بين الأفراد، كما يسمح للكوبيين بإيجاد الأدوية المقطوعة من الصيدليات، بعدما كان الكوبيون يعتمدون على ما يسمعونه من أخبار متداولة لإيجاد ضالتهم.
ويوضح ريكاردو توريس أستاذ الاقتصاد في جامعة هافانا "بات إيجاد شخص يملك أمرا أحتاج إليه أمرا أسهل بكثير، فمن دون هذه المجموعات لكان ذلك مستحيلا وكان يتعين الاعتماد على المصادفة".
وقد رافقت الدولة الكوبية هذه الحركة من خلال إنشاء تطبيقات لتحويل الأموال أو دفع الفواتير وموقع للتسوق الإلكتروني، وأسهم انتشار الإنترنت المحمول في تعزيز مبادرات المجتمع المدني، كما حصل في الحملات التي نظمها سكان عبر شبكات التواصل الاجتماعي لتقديم مساعدات طارئة للمتضررين جراء الإعصار الذي ضرب البلاد في كانون الثاني (يناير) 2019، من دون انتظار تحرك الدولة كما كان يحصل سابقا.
واضطرت الحكومة أحيانا إلى تفعيل مجموعات عمل في ظل التعبئة الإلكترونية حيال قضايا مختلفة بينها العنف ضد النساء أو مسائل مرتبطة بالرفق بالحيوانات، وهو موضوع قانون قيد النقاش في البلاد حاليا.
وجعل الرئيس الكوبي ميغيل دياز-كانيل، الموجود في السلطة منذ 2018، من تعزيز انتشار خدمات المعلوماتية في كوبا أولوية لحكومته، ومن أجل ذلك فتح خصوصا حسابا على "تويتر".
ولا يتوانى بعض الكوبيين عن انتقاد رئيسهم مباشرة عبر حسابه الخاص، متسترين في الأغلب خلف حسابات وهمية، ومن بين هؤلاء، توجه ياسر غونزاليس (35 عاما)، وهو مدير مجموعة عبر فيسبوك للمولعين بركوب الدراجات الهوائية في كوبا، مباشرة إلى الرئيس الكوبي إثر إلغاء هافانا تجمعا لراكبي الدراجات في تشرين الأول (أكتوبر) بحجة مكافحة كوفيد - 19.
وكتب عبر تويتر "عزيزي ميغيل دياز-كانيل، أكتب لك مع الأمل في إنقاذ الحدث الأجمل في مدينتنا خلال هذه السنة الصعبة". ويوضح ياسر "لا مشكلة لدي في الكتابة للرئيس: إذا أراد الرد فذلك رائع، وإلا فأكتفي بهذا الحد".
لكن بعد بضعة أيام من نشره التغريدة، خضع ياسر للاستجواب من قبل الشرطة، ويقول "استدعتني الشرطة وأظن أن الأمر متصل بما كتبته إلى دياز-كانيل"، مضيفا "أرادوا تحذيري بضرورة وقف فعل ذلك".
وللصحافية المستقلة كاميلا أكوستا البالغة 27 عاما، سهل الإنترنت عملها، إذ كانت تعتمد على شبكات الإنترنت اللاسلكي في المتنزهات العامة، لكن الخدمة كانت سيئة جدا". غير أن "التقدم الحقيقي حصل مع الإنترنت عبر الهواتف المحمولة"، وفق كاميلا.
وقال الحزب الشيوعي الحاكم أخيرا إن "شبكات التواصل الاجتماعي استحالت منصة دائمة للمقارعة العقائدية، ويتعين أن تسود حججنا فيها على الحملات المعادية". وأكد إرنستو رودريغيز نائب وزير الاتصالات في كوبا في 2019 ضرورة أن يخدم الإنترنت الحقيقة في كوبا.
وتحدث سكان كثيرون في الأسابيع الماضية عن حالات انقطاع غريبة لخدمة الإنترنت تحول دون الاتصال بشبكات التواصل الاجتماعي خصوصا "فيسبوك" و"تويتر" و"واتساب". وفي تشرين الأول (أكتوبر)، خرج "تلجرام" عن الخدمة في البلاد، مع تنديد نحو 20 منظمة غير حكومية بما عدّ تعطيلا متعمدا محتملا.
وتقول فيرونيكا أروبو المكلفة بالشؤون السياسية في أمريكا اللاتينية في منظمة "أكسس ناو" التي تتخذ مقرا لها في نيويورك، إن "الإنترنت يتيح ممارسة الحقوق، بينها حرية التعبير". وتضيف "كوبا تدرك أن الإنترنت أداة ضرورية لتنمية (البلاد)، وهذا هدفهم، لكن ثمة أمورا قد تفلت منهم، لذا هم يفرضون عمليات رقابة".