التداعيات الاقتصادية لكورونا ووضع السياسات «2 من 2»

حول الآثار والتداعيات المالية لجائحة كورونا فكما رأينا في الأيام الأخيرة، تكاليف الاقتراض يمكن أن ترتفع مع تشديد الأوضاع المالية، نظرا لتشكك المصارف في قدرة المستهلكين والشركات على سداد القروض في الوقت المحدد لها. ومن شأن ارتفاع تكاليف الاقتراض أن يكشف عن مواطن الضعف المالي التي تراكمت خلال أعوام انخفاض سعر الفائدة، ويؤدي إلى تصاعد المخاطر من عدم إمكانية تمديد الديون. ومن شأن انخفاض الائتمان أن يزيد تباطؤ النشاط الناجم عن صدمات العرض والطلب.
وعندما تأتي الصدمات متزامنة عبر عدد كبير من الدول، قد تزداد الآثار عمقا من خلال الروابط التجارية والمالية الدولية، ما يضعف النشاط الاقتصادي العالمي ويدفع أسعار السلع الأولية نحو الانخفاض. وقد هبطت أسعار النفط بشكل كبير خلال الأسابيع الماضية وأصبحت أقل بنحو 30 في المائة من مستوياتها في بداية العام، وكذلك فإن الدول التي تعتمد على التمويل الخارجي قد تواجه مخاطر من التوقف المفاجئ لهذه التدفقات واضطراب أوضاع السوق، الأمر الذي ربما اقتضى التدخل في سوق النقد الأجنبية أو اتخاذ إجراءات مؤقتة تتعلق بالتدفقات الرأسمالية.
وبشأن الحاجة إلى سياسات اقتصادية موجهة فإنه نظرا لأن التداعيات الاقتصادية تنشأ بصفة خاصة عن وقوع صدمات حادة في قطاعات محددة، سيتعين على صناع السياسات تنفيذ إجراءات جوهرية موجهة على مستوى المالية العامة والسياسة النقدية، والسوق المالية، لمساعدة الأسر ومنشآت الأعمال المتضررة.
ويمكن استهداف الأسر ومنشآت الأعمال المتضررة من اضطراب العرض وهبوط الطلب كي تحصل على تحويلات نقدية، ودعم على الأجور، وتخفيف ضريبي، حيث تقدم المساعدة للناس على تلبية احتياجاتهم ولمؤسسات الأعمال كي تحافظ على سلامة أوضاعها. على سبيل المثال، اتخذت إيطاليا إجراءات مختلفة منها مد المواعيد النهائية المحددة لسداد ضرائب الشركات في المجالات المتضررة ووسعت نطاق تغطية صندوق تكملة الأجور ليقدم دعما لدخل العمالة التي يتم تسريحها، وقدمت كوريا دعما على الأجور لصغار التجار ورفعت إعانات الرعاية المنزلية والباحثين عن عمل، وألغت الصين مساهمات الضمان الاجتماعي من مؤسسات الأعمال بصفة مؤقتة. وبالنسبة لمن تم تسريحهم، يمكن زيادة تأمينات البطالة مؤقتا، بمد فترتها، أو زيادة الإعانات، أو تخفيف شروط الأهلية للاستفادة منها. وفي حالة عدم إدراج الإجازات لأسباب مرضية أو عائلية ضمن المزايا الاعتيادية، ينبغي أن تنظر الحكومات في تمويلها والسماح للعاملين الذين يصابون بوعكة صحية أو لمن يتولون رعايتهم المكوث في منازلهم دون خوف من فقدان وظائفهم أثناء فترة الوباء.
وينبغي أن تظل البنوك المركزية مستعدة لتقديم سيولة وفيرة للمصارف والشركات المالية غير المصرفية، ولا سيما لتلك التي تقرض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي ربما كانت أقل استعدادا لمواجهة اضطراب حاد. ويمكن أن تقدم الحكومات ضمانات ائتمانية مؤقتة وموجهة لتلبية احتياجات هذه الشركات إلى السيولة على المدى القصير. على سبيل المثال، توسعت كوريا في الإقراض لأغراض عمليات مؤسسات الأعمال وتقديم ضمانات على قروض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المتضررة. ومن شأن أجهزة التنظيم والرقابة على الأسواق المالية كذلك أن تشجع على تمديد آجال استحقاق القروض مؤقتا وعلى أساس إطار زمني محدد.
ومن خلال التنشيط النقدي الأوسع نطاقا كتخفيض أسعار الفائدة الأساسية أو شراء الأصول يمكن رفع مستوى الثقة ودعم الأسواق المالية إذا واجهت السوق مخاطر من تشديد الأوضاع المالية بشكل كبير، بينما الإجراءات التي تتخذها البنوك المركزية الكبيرة تولد كذلك تداعيات مواتية على الدول المعرضة للخطر. والدفعة المالية التنشيطية واسعة النطاق التي تتسق مع الحيز المتاح للتصرف في المالية العامة يمكن أن تساعد على زيادة الطلب الكلي لكنها ستزداد فاعلية على الأرجح عندما تبدأ عمليات الشركات في العودة إلى الوضع الطبيعي.
وبالنظر إلى الانتشار الواسع لهذا الوباء على مستوى عدد كبير من الدول، والروابط الاقتصادية الواسعة العابرة للحدود، وكذلك الآثار الكبيرة في الثقة التي تحد النشاط الاقتصادي وتؤثر في الأسواق المالية وأسواق السلع الأولية، من الواضح أن هناك حجة واضحة تدعو إلى تنسيق الاستجابة على المستوى الدولي. فيجب على المجتمع الدولي أن يساعد الدول التي لديها قدرات محدودة في مجال الصحة كي تتجنب وقوع كارثة إنسانية. وصندوق النقد الدولي على أهبة الاستعداد لدعم الدول المعرضة للخطر من خلال تسهيلات الإقراض المختلفة، بما فيها تلك التي تتيح صرف الموارد على أساس عاجل في حالة الطوارئ ويمكن أن تصل إلى 50 مليار دولار لدول الأسواق الصاعدة ومنخفضة الدخل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي