Author

شح المعلومات يثبط التوظيف

|
تنتج البطالة عن عدة عوامل أبرزها تراجع الطلب الكلي المسبب للركود (أو الكساد) الاقتصادي الناتج بدوره عن التغيرات الهيكلية، أو الموسمية، أو الأحداث السياسية، أو السياسات والتطورات الاقتصادية والمالية المحلية أو الخارجية السلبية، أو الكوارث الطبيعية والمرضية. وقد تنتج البطالة عن التمييز، أو القيود الاجتماعية والنظامية، أو تراجع الأجور والمنافع وتردي بيئة العمل وإجراءات السلامة من وجهة نظر العمالة أو ارتفاع تكاليف الأجور والمنافع من وجهة نظر المشغلين. ويسهم نقص أو شح المعلومات حول الوظائف خصوصا لدى العمالة في تثبيط التوظيف ورفع معدلات البطالة، ولكن قلما يتم نقاشه أو التطرق إليه. ويشاهد في أي اقتصاد وجود وظائف كثيرة شاغرة وعاطلين في الوقت نفسه بسبب شح المعلومات. ويتم عمدا أو سهوا إخفاء المعلومات حول الوظائف لعوامل ومصالح أشخاص أو كيانات أو وجهات نظر معظمها خاطئ.
تلعب المؤسسات الرسمية المسؤولة عن العمل والعمالة دورا مهما لتوفير معلومات التوظيف في أي دولة. ويمكن لهذه الجهات على الأقل أن توفر معلومات عن عدد الوظائف الحالية في البلاد ومتطلبات التوظيف والتدريب ومعدلات الأجور وأماكن الوظائف وتوزيعها، ويمكنها أيضا وضع تصورات أو توقعات عن تطورات التوظيف ونوع الوظائف والمهن ومتطلباتها لتتمكن العمالة والشباب بشكل محدد من اختيار أنواع المهن المستقبلية والوظائف والتدرب على إنجازها. توفر الدول المتقدمة بيانات حول الوظائف حسب المهن ومسمياتها، كما يصدر عديد منها توقعات مستقبلية حول تطورات سوق التوظيف حسب مسمى الوظائف. وينشر مكتب إحصاءات العمل الأمريكي بيانات تفصيلية عن المهن والمؤهلات العلمية المطلوبة للوظائف وعدد العاملين فيها وأعمارهم ومتوسطات الأجور حسب الشهادة التعليمية وتوقعات النمو خلال عشرة أعوام، وتضم الجداول التي يصدرها المكتب تفاصيل لأكثر من ألف مهنة.
تساعد المعلومات التفصيلية عن الوظائف أو المهن وأجورها ومتطلباتها كلا من العمالة والمشغلين على اختيار المهن وتوقعات الأجور والتفاوض حولها. كما توفر صورة كلية عن التوظيف، وإمكانية تطوير أسواق العمل، وتحسين الأجور. يحول نقص المعلومات عن تطورات التوظيف حسب المهن الحالية والمستقبلية والوظائف الشاغرة وأماكن وجودها الجغرافي والمؤسسي دون استغلال المؤسسات الإنتاجية طاقاتها الكاملة ويخفض الناتج المحلي الإجمالي، كما يعيق حصول المؤهلين على وظائف ما يرفع معدلات البطالة. وكلما ارتفعت درجات نقص المعلومات حول الوظائف ارتفعت معدلات البطالة.
يسعى كثير من العاملين الراغبين في تحسين أوضاعهم المعيشية للحصول على وظائف أفضل كما يلهث الداخلون الجدد في سوق العمل والعاطلون بالبحث عن وظائف يعوق وصولهم إليها في كثير من الأحيان نقص المعلومات. ونتيجة لذلك يلجأ كثير منهم للوسائل المتاحة للحصول على وظيفة. وتعد الصلات والعلاقات الشخصية من أبرز وسائل التوظيف سواء في المؤسسات الخاصة أو العامة. ويتعمد كثيرون إخفاء معلومات الوظائف في المؤسسات الإنتاجية والحكومية لأهداف ومنافع كثير منها شخصية، كاحتكارها للمعارف أو الأقارب أو الأصدقاء وخصوصا الوظائف الجيدة والقيادية. وقد تحول مخاوف بعض المديرين من توظيف غير الأكفاء أو الجادين في العمل دون توفير الشفافية حول الوظائف. وعملت لأعوام طويلة في إحدى الإدارات الحكومية وكانت ممارسات إخفاء الوظائف شائعة حتى عن موظفي الإدارة التي يعمل بها الموظف. ويمكن ملاحظة تركز نوعية معينة من الموظفين مبنية على تصنيفات اجتماعية معينة في بعض الإدارات الحكومية حتى الخاصة. كما قد يعاني بعض المؤسسات الحكومية والخاصة نقص الموظفين على الرغم من توافر وظائف لهم بسبب نقص أو إخفاء المعلومات.
يمكن للإدارات المسؤولة عن التوظيف الإسهام في خفض فجوة المعلومات حول الوظائف من خلال تبني معايير أعلى في الإفصاح والشفافية حول الوظائف بوجه عام والشاغرة بوجه خاص. وينبغي - قدر الإمكان - بث ثقافة المساواة في إتاحة فرص التوظيف وعدم التمييز والتحيز، وكذلك معاقبة المسؤولين على الممارسات الخاطئة. ويمكن للإدارات المسؤولة أيضا أن تنشط في مجال جمع المعلومات عن الوظائف بشكل عام والشاغرة بشكل خاص وخصائصها وتحديثها باستمرار ونشرها وإتاحتها بيسر وبشفافية للباحثين عن عمل في مواقعها الرسمية. وتحتاج الجهات المسؤولة عن التوظيف في هذا البلد الكريم إلى جهود كبيرة لتطوير بياناتها عن الوظائف والأجور ومتطلبات الوظائف ووضع توقعات مستقبلية عن الوظائف والمهن وأماكن ومناطق وقطاعات وجودها. في المقابل، يمكن أيضا توفير معلومات عن طالبي العمل ومؤهلاتهم وخصائصهم للمشغلين لمساعدتهم على شغل الوظائف ومواءمتها بشكل أفضل مع العمالة الكفؤة.
يمكن الاستفادة من البيانات الخام عن الوظائف في القطاعين العام والخاص والمتوافرة لدى الإدارات المسؤولة عن التوظيف والتأمينات الاجتماعية في القطاعين العام والخاص ونشر بيانات الوظائف والأجور وأي بيانات إضافية ممكنة عن خصائص الوظائف والموظفين. من المؤكد أن تستغرق المؤسسات الرسمية ردحا من الزمن لتطوير آليات توفير المعلومات حول الوظائف. وتوجد فرص متاحة للقطاع الخاص لسد جزء من فجوة المعلومات حول الوظائف من خلال تطوير آليات جمع المعلومات عن الوظائف الشاغرة والباحثين عن فرص وظيفية وتسويقها لأطراف العمل. سيستمر الباحثون عن العمل باستخدام الوسائل الشائعة في الوقت الحالي كشبكات تواصلهم وتطوير وسائل بحثهم الذاتية عن العمل حتى يسد القطاعان الخاص والعام معظم فجوة المعلومات حول الوظائف أو جزء كبير منها.
إنشرها