رؤية جريئة لمدينة ملهمة                

سيكون يوم العاشر من كانون الثاني (يناير) من عام 2021، يوما عالميا تاريخيا، وعلامة بارزة لعقود طويلة من الزمن، فهو اليوم الذي مهد الطريق نحو المجتمعات الحضرية الذكية في مفهوم المدن الذكية الراقية خدميا، التي تعيش في توازن مع الطبيعة، ولا تتخلى عن منتجات الحضارة الإنسانية ونتائج الثورات الصناعية الأربع، وتعود البشرية في الوقت نفسه إلى طبيعتها متوائمه مع الحياة الفطرية، والبيئة الطبيعية وتتناغم معها.
فمنذ انطلاقة الثورة الصناعية الأولى والبشر في صراع مع أنفسهم ومع الطبيعة، والبيئة من حولهم، وقد انتهى هذا الصراع اليوم إلى التساؤل الذي طرحه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، "لماذا نقبل أن نضحي بالطبيعة في سبيل التنمية؟ ولماذا يتوفى سبعة ملايين إنسان سنويا بسبب التلوث؟ ولماذا نفقد مليون إنسان سنويا بسبب الحوادث المرورية؟ ولماذا نقبل أن تهدر سنين من حياة الإنسان في التنقل؟".
 لكن منذ يوم العاشر من كانون الثاني (يناير)، ومع إطلاق ولي العهد، مشروع ذا لاين، سيتحقق العيش في تناغم كامل بين الرغبة الحضارية والاستمتاع بمنتجاتها الحضارية وبين الحياة الآمنة، وقد حققت مدينة "ذا لاين" تلك المعادلة الصعبة ضمن مشاريع "نيوم"، وبتفعيل الذكاء الاصطناعي في مدينة تمتد 170 كيلو مترا بلا ضوضاء أو تلوث وحوادث مرورية، خالية من المركبات والازدحام، وفي الوقت نفسه تحافظ على 95 في المائة من الطبيعة.
إن مشروع ذا لاين هو، إعادة تعريف الحياة الحضرية، وتغيير مفهوم تعريف المجتمعات، وتجديد تعريف العلاقات الإنسانية. ففي الحياة الحديثة نحن لا ننفك إلى الحاجة إلى أنواع مختلفة ومتناقضة من الخدمات، لأننا بحاجة إلى خدمات النظافة والبلدية، وكذلك خدمات الصحة والتعليم، وخدمات الترفيه والتسوق، ومن المستحيل في منطق الحياة العصرية أن تصبح هذه الخدمات كلها في منطقة ضيقة من أجل اختصار المسافات.
لكن هذا يعني ازدحام الخدمات والبشر في منطقة شديدة الضيق، ما يوجد مشكلات بيئية واجتماعية لا حصر لها، لكن تباعدها يوجد أيضا مشكلات أكثر تعقيدا، فالمجتمع لتحقيق مصالحه الحياتية اليومية بحاجة إلى التنقل بين هذه الخدمات، ما يتطلب وسائل نقل متعددة ومتفاوتة الأسعار، وهذا يؤسس لمشكلات بيئية من نوع آخر، فالتلوث يضرب بأطنابه كل مكان، حيث إن هذا التلوث يجعل الحياة الحضرية جحيما لا بد منه، لهذا فإن معالجة هذه القضايا في المدن العصرية قد حيرت كبار العقول، والمنظمات.
 ولهذا، فإن إعلان ولي العهد، مشروع ذا لاين، يعد نقلة إنسانية ومعالجة حضارية لأعقد مشكلة واجهت الحضارة الحديثة. وكما أشار ولي العهد، فلأول مرة منذ أكثر من 150 عاما، يصبح باستطاعة الإنسان أن يعيش بين خدماته الضرورية بجودة حياة حقيقية، وبين المساحات الخضراء في غضون خمس دقائق سيرا على الأقدام، يصل إلى المراكز الطبية، والمدارس، ومرافق الترفيه.
إضافة إلى ذلك، فباستخدام حلول المواصلات فائقة السرعة والاعتماد الكامل على تقنيات الذكاء الاصطناعي، سيكون المجتمع مترابط افتراضيا، وسيتم تسخير نحو 90 في المائة من البيانات لتعزيز قدرات البنية التحتية واعتماد كامل على الطاقة النظيفة بنسبة 100 في المائة، مع الحرص على تحقيق مستقبل إيجابي للكربون.
 وفي الوقت الذي تحقق فيه مدينة ذا لاين التطلعات للإنسان المعاصر، فإنها تمثل صورة من صور التقدم الاقتصادي وتحقيق رؤية المملكة 2030، التي تضع جودة الحياة كأهم محاورها، والموقع الجغرافي كميزة يجب أن تستغل. لذا، فإن المدينة العصرية الذكية ستكون جاذبة لكل من يريد الحياة الآمنة والمنتجة والصحية. وكما ذكر ولي العهد، فهناك 380 ألف فرصة عمل، وستسهم المدينة في إضافة 180 مليار ريال إلى الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030. وبهذا المشروع العملاق نخطو خطوة جبارة لتحقيق مستهدفات "رؤية 2030"، وأن تصبح المملكة في قمة العالم بهمة وجدارة اقتصادية تجعل منها دولة يشار إليها بالبنان كواحة تتعامل مع المفاهيم الرقمية والتقنية نظرا إلى تقدمها وتطورها.

المزيد من الرأي