علم الاقتصاد ومنهجه البحثي وعلاقته بالقانون

عبارة "علم الاقتصاد" economics. تعني دراسة الاقتصاد economy وفق منهجية ساينسية scientific method. الترجمة الشائعة لساينس هي العلم أو العلوم، لكنها ترجمة تضيق واسعا، فمجالات العلم والعلوم أوسع من الساينس. التفسير والفقه وأصوله والنحو مثلا علوم. بنية علم الاقتصاد كمية، لذا يعتمد على الرياضيات. وتطبق في علم الاقتصاد أدوات علم الاقتصاد القياسي بغرض تحليل البيانات واختبار صحة النظريات الاقتصادية، وهذا جزء أساسي من خطوات البحث العلمي (الساينسي). هناك آراء تقلل من فائدة التوسع في الاعتماد على الرياضيات، إلا أن جمهور علماء الاقتصاد مقتنعون بالفوائد الكبيرة لهذا الأسلوب، لأنه يساعد على فهم الاقتصاد ومتغيراته بدقة وموضوعية أكثر. محاولة استخلاص القوانين والتعرف على العلاقات والارتباطات والتأثيرات وفهم كيف تتفاعل المؤثرات الاقتصادية مع بعضها، كلها تهدف إلى التعرف على فهم ما هو كائن. لكن فهم ما هو كائن ليس موضع اتفاق بين علماء الاقتصاد، فالخلافات كثيرة وهناك مدارس مشهورة. ووقوع هذه الخلافات ليس غريبا، فكل علم فيه خلافات في الفهم والتحليل. وفهم ما هو كائن خطوة تسبق البحث فيما ينبغي أن يفعل. وطبعا إبداء رأي في فهم ما هو كائن ليس مقصورا على فئة من المجتمع بل هو شأن تتشارك فيه فئات المجتمع. التفسيرات للأحداث تبنى على فرضيات مسلمات منطقية عقلية في السلوك البشري. مثل فرضية أن المستهلك أو التاجر يعظم مصلحته. وليست كل الفرضيات (سواء في أصلها أو في قوتها) موضع اتفاق بين الاقتصاديين. اللجوء إلى الفرضيات ينطلق من قولهم "مكره أخاك لا بطل"، فالواقع الاقتصادي معقد، ولا تمكن دراسته وتحليله دون لجوء إلى التبسيط باستخدام فرضيات تبسط الواقع. وتبسيط الواقع نهج نستخدمه في حياتنا، ويستخدم أيضا في مختلف العلوم. وتشكل الفرضيات أساسا لبناء نظريات. هل تتعارض منهجية الافتراضات ومنهجية البحث الاقتصادي في التعرف على طبيعة السلوك الاقتصادي في البشر هل تتعارض مع النصوص الشرعية الخبرية (والمقصود تلك التي تخبر عن طبيعة السلوك الإنساني، وليس النصوص التي تأمر وتنهى عن سلوك)؟ لا أعرف افتراضات أساسية مشهورة بين الاقتصاديين تعارض نصوصا خبرية صريحة المعنى. بل العكس أقرب. مثلا، حب المال فرضية أساسية في علم الاقتصاد، وقد قال سبحانه "وتحبون المال حبا جما". طبعا قد تتبنى فئة من الناس فرضية أو آراء تبدو أنها تعارض أو لا تنسجم مع دلالة نص شرعي، خاصة إذا كان خبريا. هذه مشكلة موجودة في أي علم أو تفكير بشري. والغالب أنها موضع معارضة الأغلبية من أهل الاختصاص وغيرهم. ومن جهة مقابلة، الاعتراض الشرعي نفسه قد يكون موضع خلافات، وليس اعتراضا مجمعا عليه بين علماء الدين. ومن جانب آخر، هناك فقهاء لهم آراء ضعيفة أو شاذة أو عليها خلافات فقهية، أي أنه لا ينبغي تعميم آرائهم على الفقه والفقهاء. الأمر يتطلب عمقا في الفهم من الجهتين الفقهية والاقتصادية. فهم منهج البحث العلمي الفقهي وكذلك الاقتصادي، يسهل علينا قبول أنه ليس من شأن الفقه أو القانون وضع النظريات المفسرة لكيفية حدوث الوقائع الاقتصادية التفصيلية. لا شك أنه لا حجر على فقيه (وغير فقيه) أن يبدي رأيه في تفسير كيفية حدوث تلك الوقائع، إلا أن رأيه ليس محصلة نظر فقهي. وفي المقابل، فإنه ليس من شأن علم الاقتصاد التوصل إلى الأحكام الشرعية أو القانونية لسلوك الأفراد الاقتصادي. لكنه يستفاد من مختلف العلوم من علم الاقتصاد وغيره في صياغة واختيار بعض تلك الأحكام. والموضوع طويل. وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي