الإسكان والوطأة من ارتفاع أسعار الفائدة

رفعت البنوك المركزية أسعار الفائدة بشكل كبير على مدار العامين الماضيين بهدف مكافحة التضخم في فترة ما بعد الجائحة. وظن كثيرون أن هذا سيؤدي إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي. لكن النمو العالمي ظل مستقرا بوجه عام ولم يتحقق هذا التباطؤ إلا في بعض البلدان. لماذا يشعر البعض بوطأة ارتفاع أسعار الفائدة دونا عن غيره؟ يكمن جزء من الإجابة في الفروق في خصائص أسواق القروض العقارية والإسكان. فآثار رفع أسعار الفائدة الأساسية في النشاط تعتمد في جزء منها على خصائص أسواق الإسكان والقروض العقارية، التي تختلف اختلافا هائلا من بلد إلى آخر، كما نوضح في أحد فصول آخر عدد من تقريرنا عن "آفاق الاقتصاد العالمي". ويشكل الإسكان قناة مهمة لانتقال آثار السياسة النقدية إلى النشاط الاقتصادي. فالقروض العقارية هي أكبر التزام على الأسر المعيشية، وغالبا ما يمثل الإسكان الشكل الكبير الوحيد لثروتها. ويسهم قطاع العقارات كذلك بحصة كبيرة في الاستهلاك والاستثمار والوظائف وأسعار المستهلكين في معظم الاقتصادات. ولتقييم مدى تأثير أهم خصائص قطاع الإسكان في انتقال آثار السياسة النقدية إلى النشاط الاقتصادي، يستفيد بحثنا من بيانات جديدة عن أسواق الإسكان والقروض العقارية أُعِدَّت على مستوى البلدان: نجد أن هذه الخصائص تختلف اختلافا كبيرا من بلد إلى آخر. فعلى سبيل المثال، نسبة القروض العقارية بسعر فائدة ثابتة من كل القروض العقارية على مستوى البلدان يمكن أن تتفاوت مما يقرب من الصفر في جنوب إفريقيا إلى أكثر من 95 % في المكسيك أو الولايات المتحدة. وتشير نتائجنا إلى أن للسياسة النقدية آثارا أكبر في النشاط في البلدان التي تقل فيها نسبة القروض العقارية بسعر فائدة ثابت. والسبب في ذلك هو ارتفاع المدفوعات الشهرية التي يسددها أصحاب المساكن مع ارتفاع أسعار الفائدة الأساسية في حالة تعديل أسعار الفائدة على قروضهم العقارية. ولخصائص أسواق الإسكان دور مهم أيضا: فانتقال آثار السياسة النقدية إلى النشاط الاقتصادي يصبح أقوى إذا كان عرض المساكن محدودا بشكل أكبر. فعلى سبيل المثال، انخفاض أسعار الفائدة يخفض تكاليف الاقتراض لمن يشترون منازل لأول مرة ويرفع الطلب. وحيث يكون العرض محدودا، يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار المنازل. ونتيجة لذلك، تزداد ثروة المالكين الحاليين، فيزداد استهلاكهم، بما في ذلك إذا توافرت لهم إمكانية استخدام مساكنهم كضمان لاقتراض المزيد. شهدت أسواق القروض العقارية والعقارات تحولات عديدة منذ الأزمة المالية العالمية والجائحة. فعندما بدأت دورة الصعود أخيرا وبعد فترة طويلة من انخفاض أسعار الفائدة، سجلت مدفوعات الفائدة على القروض العقارية انخفاضا تاريخيا، وكان متوسط آجال استحقاقها طويلا، ومتوسط نسبة القروض العقارية بسعر فائدة ثابت مرتفعا في كثير من البلدان. وإضافة إلى ذلك، أدت الجائحة إلى ابتعاد السكان عن وسط المدينة وانتقالهم إلى مناطق أخرى حيث المعروض أكثر نسبيا. وهناك اختلاف شاسع بين تجارب البلدان. فتشير التغيرات في خصائص أسواق القروض العقارية في بلدان مثل كندا واليابان إلى أن انتقال أثر السياسة النقدية يزداد قوة عبر قطاع الإسكان. ويرجع ذلك في الأساس إلى تراجع نسبة القروض العقارية بسعر فائدة ثابت، وارتفاع الديون، وزيادة النقص في عرض المساكن، وعلى النقيض من ذلك، يبدو أن انتقال الآثار أصبح أضعف في بلدان مثل هنغاريا وأيرلندا والبرتغال والولايات المتحدة حيث تحركت الخصائص في الاتجاه المعاكس. وبينما القروض العقارية بسعر فائدة ثابت أصبحت بالفعل أكثر شيوعا في كثير من البلدان، فإن فترات تثبيت سعر الرهن العقاري غالبا ما تكون قصيرة. وبمرور الوقت، وعندما يُعاد تحديد أسعار الفائدة على هذه القروض العقارية، يمكن أن يصبح انتقال آثار السياسة النقدية فعالا بصورة مفاجئة وبشكل أقوى، فيضعف الاستهلاك، ولا سيما حينما تكون الأسر المعيشية مثقلة بالديون. وكلما طال أمد الارتفاع في أسعار الفائدة، ازدادت احتمالات شعور الأسر المعيشية بوطأتها، حتى وإن ظلت في مأمن منها نسبيا إلى الآن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي