السياسة التركية التوسعية في مواجهة الرئيس المنتخب بايدن
السياسة التركية التوسعية في مواجهة الرئيس المنتخب بايدن
تواجه الدولة التركية بقيادة نظام حزب العدالة والتنمية ذي الطابع الرئاسي المتفرد والمقتصر على شخص الرئيس رجب طيب أردوغان، خطرا جديدا وعقدة جديدة فرضتهما تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، أثناء حملته الانتخابية، التي توعد فيها الرئيس التركي علانية وهدده، حين قال في حوار متلفز "تركيا هي المشكلة الحقيقية هنا، وسيكون لي حوار مغلق حقيقي مع أردوغان وتعريفه بأنه سيدفع ثمنا باهظا على ما فعله، الآن ادفع هذا الثمن"، كما سبق أن واجه الرئيس أردوغان عقدة فشل الانضمام والقبول من جهة الاتحاد الأوروبي، الذي كان يسعى مرارا وتكرارا للحصول على هذه العضوية، لكن المزاج العام الدولي يرفض هذا النظام ولا يتقبله، نظرا إلى ما يمارسه من سياسات وما يتبناه من سياسات توسعية جغرافيا وأيديولوجيا، ليغير من عقيدته السياسية والعسكرية من حاله السيئ إلى الأسوأ.
تصريحات الرئيس المنتخب - بحسب جرد حساب سياسات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما - لن تؤخذ على محمل الجد على المستوى التركي، نظرا إلى المنصب الذي شغله الرئيس بايدن أثناء حقبة الرئيس أوباما لثمانية أعوام نائبا له، التي تعد فترة ذهبية على مستوى النفوذ بشقيه الداخلي والخارجي للرئيس التركي، إذ تمكن من دعم التحرك الشعبي العربي ونجح في إحداث البلبلة في دول عربية عدة تحت ما يسمى الربيع العربي، إضافة إلى مسرحية الانقلاب العسكري الفاشلة، التي مكنت الرئيس التركي من إقصاء كل خصوم السياسة والمؤثرين العسكريين من الساحة لضمان بقائه في السلطة، بشبه مباركة من قبل نظام الرئيس الأمريكي وتحديدا إدارة أوباما بما فيها بايدن، لكن النظام التركي سيكون منبوذا تحت وطأة التهديد المستمر من إدارة الرئيس المنتخب بايدن.
تعايشت السياسة الخارجية لتركيا مع المستجدات العالمية بمزيد من التوسع والضغط على القوى الإقليمية والدولية لتحقيق مكاسبها، وهذا قد يكون سيفا ذا حدين في ظل إدارة الرئيس المنتخب بايدن، إذ نفذت القوات التركية بمختلف تشكيلاتها في الآونة الأخيرة تحركات عسكرية، بهدف التوغل والانتشار، بحجة إثبات حقوق مزعومة لها في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، وشرق المتوسط، وشمال إفريقيا، إذ رسمت ملامح عقيدة توسعية مختلفة، بعيدا عن التحالفات والارتباطات الإقليمية والدولية، متسببة في انهيار دول وكيانات، من خلال ما تنشره من فوضى في هذه الدول.
كما انطلقت العمليات التركية المشبوهة من سورية بشن عمليات عسكرية، ضد اللا شيء بحجة مناصرة السوريين من نظام الأسد، لكن الحقيقة كانت لإيجاد موضع قدم هناك لمزاحمة روسيا وإيران بالتعاون مع مسلحين سوريين محسوبين على المعارضة، عرفوا لاحقا بالمرتزقة السوريين، إضافة إلى تحرك مشابه وبالأدوات ذاتها في ليبيا، بدعم أكبر على المستويين العسكري والسياسي، من خلال حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج المحسوبة على جماعة الإخوان، وكذلك نشرت سفنها ذات الطابع النفطي في منطقة شرق المتوسط البحرية، ولم توفر أي فرصة استفزازية من خلال المناورات العسكرية قبالة السواحل اليونانية والقبرصية، وفي الوقت ذاته كانت توسع فيه من عملياتها العسكرية في شمال العراق ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني.
وأقامت تركيا قواعد عسكرية غير شرعية في شمال العراق منتهكة سيادة الدولة العراقية، كما وقفت إلى جانب أذربيجان في حربها ضد أرمينيا، ودعمتها سياسيا وعسكريا، وزودتها بالمقاتلين المرتزقة ممن لديهم خبرة في المواجهات القتالية المباشرة، كما تنتشر قواعدها في مناطق عدة، أبرزها أفغانستان، والصومال، ليكون هذا الانتشار الأوسع منذ انهيار الدولة العثمانية، التي يحلم الرئيس أردوغان بإحيائها من جديد.
وتعتمد السياسة التركية التوسعية عقيدة الاعتماد على القوة العسكرية بشكل مطلق، بعيدا عن التحالفات الإقليمية والدولية، مبررة ذلك بفشلها في الحصول على رضا الأوروبيين طوال العقود الماضية، ودخولها عضوية الاتحاد الأوروبي على الرغم من كونها عضوا في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، الذي تقوده واشنطن، إذ لم يشفع لها نشر منظومة الصواريخ الاعتراضية باتريوت على مقربة من الأراضي الروسية، إضافة إلى فتح أبوابها لأكبر القواعد العسكرية للقوات الأمريكية في إنجرليك، لذلك اتجهت العقيدة الجديدة نحو التطور العسكري والانتشار المبني على المصالح أولا، واستغلال الانتماءات ذات الطابع والتوجه المذهبي الفكري، من خلال تبني تعاليم جماعة الإخوان، واحتضان الجماعة وقياداتها وامتطائهم، بعد كشف أهدافهم الباطنية في دولهم، ومحاولة سيطرتهم على السلطة في مصر، وتونس وغيرها من الدول، وتصنيفها كجماعة إرهابية في السعودية، ومصر، والإمارات.
كما تمكن الرئيس التركي رجب أردوغان ورفاقه في حزب العدالة والتنمية، ممن تم التخلي عنهم أو انسحبوا لاحقا رفضا لتفرد الرئيس وصهريه بالسلطة، من رسم معادلة إحياء أمجاد الدولة العثمانية، التي عاناها العرب لنحو 400 عام، كما يحدث اليوم من خلال استغلال الشباب السوري والليبي والفلسطيني في غزة باسم الدين، ليكون تكرار نموذج الأجداد أحد مقومات العقيدة التركية الجديدة بعد عقود طويلة من تبني النموذج العلماني، الذي لم يكن له أي منفعة استراتيجية لهم كما يرى النظام الحاكم التركي، لتترجم هذه التحركات خطوة متين جلونك النائب السابق في البرلمان التركي عن حزب العدالة والتنمية، خريطة لـ"تركيا الكبرى"، تعود إلى عهد السلاجقة، وتضم مساحات واسعة من شمال اليونان وجزر بحر إيجة الشرقية، ونصف بلغاريا، وقبرص، وأرمينيا في مجملها، ومناطق واسعة من جورجيا والعراق وسورية.
يبقى الواقع واقعا والحلم حلما، إذ أجبرت الظروف تركيا وسياستها الخارجية على التكيف مع الوقائع والتطورات عالميا وإقليميا، كما ستتقبل حقيقة فقدان نفوذها تدريجيا، كما تقبلت عدم وجودها في الاتحاد الأوروبي، كما واجهت حقيقة وجودها الفاتر ضمن حلف الناتو، لتحاول رسم معادلة جديدة من المصالح، والتنازل عن الملف الليبي شيئا فشيئا، وتجنب خطر المواجهة العسكرية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.