ضرورة الإبقاء على التزامات المناخ طوعية «2 من 2»
صحيح أن التخفيف من حدة تغير المناخ يعد منفعة عامة عالمية "كلية" التي يعادل توفيرها مجموع الجهود التي تبذلها الدول فرادى. ولأن السياسات التي تلاحقها قـلة من الدول التي تطلق كميات صغيرة من الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي لا تشكل أهمية حقيقية على المستوى العالمي، فقد يبدو إبرام اتفاق ملزم للدول والكيانات الرئيسة المصدرة للانبعاثات كافيا لتوجيه العالم نحو صافي الانبعاثات صـفر بحلول منتصف القرن.
لكن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين مسؤولة في المجموع عن نحو نصف الانبعاثات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي. وهي حصة كبيرة، لكنها ليست ضخمة بالقدر الكافي لحل مشكلة الانحباس الحراري الكوكبي. فقد أصبحت الهند من الدول المصدرة لكميات كبيرة من الانبعاثات، في حين تشكل 24 دولة أخرى مصدرة لكميات كبيرة من الانبعاثات القدر الكافي من الأهمية لإحداث الفارق.
على الرغم من أن اتفاقية نادي المناخ حتى من دون فرض عقوبات على الأطراف الخارجية من الممكن أن تستبعد عديدا من الدول دون إضعاف جهود تخفيف آثار تغير المناخ على مستوى العالم بشكل ملحوظ، فإنها يجب أن تتضمن عددا من الأعضاء كبيرا بالقدر الكافي، خاصة أن ارتفاع أسعار الكربون بشكل صريح أو ضمني من المرجح أن يفضي إلى انتقال الكربون إلى مناطق أقل طموحا. فضلا عن ذلك، لا توجد طريقة جيدة لرسم خط فاصل وترك بعض مصدري الانبعاثات خارج مثل هذا النادي مع إجبار آخرين على الدخول. وعلى هذا، يبدو أن هذه الاعتبارات توفر أساسا منطقيا قويا للبحث عن اتفاق شامل واعتبار تعديلات الأسعار الحدية حافزا قويا لتقديم أداء قوي.
مع ذلك، من المرجح أن تتبنى قمة جلاسجو نهج باريس وتعتمد على إطار عمل طوعي. إن إبرام معاهدة مناخ عالمية تلزم الدول بأسقف للانبعاثات أو حد أدنى لأسعار الكربون أمر بعيد المنال وغير عملي.
تتمثل قضية مهمة وشائكة هنا في الاختلافات في نصيب الفرد في الدخل من دولة إلى أخرى. تزعم الدول النامية بحق أنها تستحق معاملة خاصة في أثناء التحول إلى الطاقة النظيفة لأنها لم تسهم بقدر كبير في المخزون العالمي من الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي على مدار القرنين الأخيرين. وأقر اتفاق باريس هذه المطالبات من خلال التعهد بتعبئة 100 مليار دولار سنويا بحلول 2020 لمساعدة الدول النامية على مكافحة تغير المناخ. ولكن اليوم، بسبب جائحة كوفيد - 19، أصبح الحيز المالي المتاح لها أضيق.
الآن، يفصل بيننا ومؤتمر المناخ في جلاسجو أقل من عام، ويواصل بعض المراقبين الدعوة إلى تحديد أهداف مناخية وطنية ملزمة مع فرض عقوبات على الأداء الضعيف وضرائب التعديل الحدية على نطاق أعرض بهدف تحديد سعر عالمي موحد للكربون بحكم الأمر الواقع. ولكن كما يزعم الباحث أمار بهاتشاريا، من مؤسسة بروكنجز، فإن النهج المفضل يظل متمثلا في استراتيجية تعمل على تشجيع المساهمات الطوعية المحددة على المستوى الوطني، وتسخير التكنولوجيا، وتوفير قدر كبير من المساعدات المالية للدول النامية. الواقع أن تزايد جدوى التكنولوجيات الخضراء من حيث التكلفة يزيد من احتمال نجاح اتفاق مناخي عالمي جريء يستند إلى مساهمات طوعية، شريطة أن تلتزم الصين بمسار نحو حيادية الكربون بحلول 2060، كما تعهدت. كما أن الاستراتيجية الخضراء ستصبح على مدار الأعوام المقبلة مجدية من حيث التكلفة على نحو متزايد، وخاصة إذا أضفنا فوائد جانبية كبيرة، مثل تقليل تلوث الهواء، إلى تحليل التكلفة والعائد.
على الرغم من ضرورة زيادة مستوى وسرعة التخفيف من آثار تغير المناخ، ومع أن تسعير الكربون يلعب دور مهما، فإن أي محاولة من الدول الغنية لإملاء الشروط قد تقودنا إلى طريق مسدود. ويظل النهج الطوعي، مصحوبا بتدفقات مالية ضخمة لمساعدة الاقتصادات النامية على التحول إلى استراتيجية النمو الأخضر، أفضل رهان للعالم للتوصل إلى اتفاق طموح وشامل في جلاسجو العام المقبل.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2021.