الخليج ورؤية قمة العلا

تظل المملكة دائما الحضن الدافئ لجميع دول الخليج الشقيقة، لقد انعقدت القمة الخليجية في دورتها الـ "41" الثلاثاء الماضي في منطقة العلا التراثية بلد الحضارات العربية الخالدة، وهي منطقة واعدة وجميلة ورائعة بعبقها التراثي العريق وحضاراتها التاريخية العربية الأصيلة، التي شع نورها من هذه الأرض الخيرة منذ أزمان بعيدة، وما زالت أصداء تلك الحضارات العربية الأصيلة تترامى في جميع أنحاء المكان لتذكر العالم بتلك الحضارات التي أسهمت في بناء كل الحضارات الإنسانية، التي انتشرت في مناطق مختلفة من العالم.
ولقد افتتح قمة العلا الأمير محمد بن سلمان، نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ورحب بالقادة الخليجيين أجمل ترحيب في بلدهم الثاني المملكة، سائلا - العلي القدير - أن يوفق الجميع لمواصلة مسيرة الخير والتعاون وتحقيق المصالح المشتركة لخدمة الشعوب الخليجية، وبما يعزز أمن منطقتنا واستقرارها، وعرفانا بما قدمه السلطان قابوس بن سعيد، والشيخ صباح الأحمد، من أعمال جليلة عبر عقود من الزمن في دعم مسيرة المجلس، فقد وجه خادم الحرمين الشريفين، بتسمية هذه القمة: "قمة السلطان قابوس والشيخ صباح".
من هنا، فإن قمة السلطان قابوس والشيخ صباح من أهم القمم الخليجية، لأنها عقدت في ظروف استثنائية ودقيقة، ولكن لأن المملكة هي الحضن الدافئ لجميع دول الخليج، فقد حققت كل أسباب النجاح، وأعادت اللحمة إلى الجسد الخليجي، وقد رحب مجلس التعاون الخليجي بالتوقيع على "بيان العلا" الهادف إلى وحدة الصف والتماسك بين دول مجلس التعاون وعودة العمل الخليجي المشترك إلى مساره الطبيعي، وأكد المجلس الأعلى في البيان الختامي حرصه على قوة، وتماسك مجلس التعاون، ووحدة الصف بين أعضائه، ووقوف دوله صفا واحدا في مواجهة أي تهديد تتعرض له أي من دول المجلس، كما نبذ المجلس الأعلى أشكال الإرهاب وصوره كافة، ورفض دوافعه ومبرراته، وعمل على تجفيف مصادر تمويله، مشددا على مواقف مجلس التعاون الرافضة للتدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للدول العربية، وتأكيد احترام مبادئ السيادة وعدم التدخل، وأعرب المجلس الأعلى عن رفضه التام لاستمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المجلس والمنطقة، مشددا على ضرورة أن تشتمل أي عملية تفاوضية مع إيران أن تعالج سلوك إيران المزعزع لاستقرار المنطقة.
وكما وصفها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فإن قمة العلا حقيقة ستكون قمة جامعة للكلمة، موحدة للصف، ومعززة لمسيرة الخير والازدهار، وأضاف قائلا إن القمة ستترجم تطلعات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وإخوانه قادة دول المجلس، في لم الشمل والتضامن في مواجهة التحديات التي تشهدها منطقتنا. كما أن القمة ستزيل كل المعوقات، وتفتح الطريق أمام عجلة البناء والتنمية.
والواقع أن الأمل في أن يكون الشرق الأوسط، بما فيه منطقة الخليج، أوروبا الجديدة يعكس رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي أفصح عنها في منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" في 2018، "إن الشرق الأوسط سيصبح أوروبا الجديدة". وبعد انعقاد القمة الخليجية في العلا أخيرا، أزاحت دول الخليج كل متاريس الخلافات واتجه كل الأشقاء بثقلهم نحو إعادة ترميم العلاقات، والمضي قدما في تنفيذ مشاريع الخير والبناء في كل أنحاء خليجنا العربي العظيم.
والملاحظ أن جدول أعمال قمة العلا لم يكن تقليديا، بل كان استراتيجيا يهدف إلى تحقيق التسامح، وإعادة اللحمة في الجسد الخليجي، ووضع أسس نهضة شاملة هدفها استغلال كل الفرص من أجل التنمية الشاملة في كل خليجنا العربي من المحيط إلى كل أنحاء الخليج، وكما كان متوقعا فقد تصدر ملف العمل الخليجي المشترك ملفات قمة العلا، ولقد توج المجلس قراراته بأهمية فتح مجالات التعاون الاستراتيجي بين كل دول الخليج، بما في ذلك فتح المجال الجوي والبري والبحري بين دولة قطر وجميع دول الخليج، والمضي قدما في إنجاز الشراكات الاقتصادية بين جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.
ولا شك أن المواطن الخليجي سيكون في قلب هذه التنمية الشاملة، وسيناله من مشاريع قمة العلا الكثير من البرامج التي تستهدف بناء الإنسان الخليجي والاهتمام بمستوى معيشته ومعاشه، والمضي قدما في تطوير إمكاناته ليسهم بفاعلية في بناء أرضه ووطنه الخليجي الكبير. والحقيقة أن أجواء التفاؤل كانت تخيم على قاعة مرايا في مدينة العلا، وكان الجميع يأملون بأن تحقق القمة الخليجية الآمال المعقودة عليها، التي أسفرت عن مصادقة الملوك والأمراء على مجموعة قرارات تفتح المجال أمام نهضة شاملة لدول شقيقة تتطلع بأمل إلى نهضة متواكبة مع الدول المتقدمة في كل مجالات الحياة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي