غموض وارتباك يصيب صناديق التحوط بعد اختبار الجائحة .. إعادة الهيكلة والتقنية أو الإغلاق
غموض وارتباك يصيب صناديق التحوط بعد اختبار الجائحة .. إعادة الهيكلة والتقنية أو الإغلاق
يحيط كثير من الغموض بصناديق التحوط ومديريها والمستثمرين فيها، وتسود لدى كثيرين قناعات بأنها مؤسسات مالية ليست حصرا على الأثرياء فقط، وإنما لكبارهم وحسب، وفي الأغلب ما ينظر إلى مديري صناديق التحوط خاصة عند مقارنتهم بنظرائهم من مديري البنوك أو حتى الصناديق الاستثمارية الأخرى بأنهم مديرون "خمس نجوم".
وينظر لهم كأنهم الذين يعملون لمصلحة كبار الأثرياء وعائلاتهم، وبما يمتلكونه من مهارات وعلاقات واتصالات تجعلهم على اطلاع بخبايا السوق واتجاهاتها المستقبلية، وبذلك يكون لهم القدرة على تحقيق الأرباح في أوقات العسرة، فما بالك بأوقات اليسرة، وربما يكون في ذلك النجاح مبرر لأن تكون رواتبهم بالملايين، بل عشرات الملايين من الدولارات سنويا.
أضف إلى ذلك بضعة ملايين أخرى يحصلون عليها كعمولات مقابل ما يحققونه من أرباح، لكن تلك السمعة وما تتضمنه في كثير من الأحيان من مبالغات، تلقت ضربتها الأولى خلال الأزمة المالية التي انفجرت عام 2008، ليتسع نطاقها خلال فترة زمنية قصيرة من حدود القطاع المالي لتضرب الاقتصاد العالمي ككل.
وخلال عام 2008 وحدة تم طي صفحة 1500 صندوق تحوط في العالم، بعضها كان رمزا من رموز تلك الصناعة مثل بيلوتون بارتنرز وصندوق هايلاند كابيتال، ورغم العوائد التي نجحت بعض صناديق التحوط في تحقيقها في الأعوام التالية، فإن السمعة العامة لتلك الصناديق أصابها ما أصابها من ذبول وتراجع.
وكان عدد صناديق التحوط التي تم إغلاقها في عام 2019 أكثر من الصناديق المفتوحة، وخلال الأعوام الخمسة السابقة أي بين 2014 - 2019 أغلق أكثر من 4000 صندوق تحوط، ما جعل عددها يدور حول 9000 صندوق حاليا وفقا لمعظم التقديرات.
لكن الأزمة المالية عام 2008 لم تكن الاختبار الوحيد الذي هز عرش صناديق التحوط، وأزاح عنها كثيرا مما أحاط بها من إبهام، فقد أشار بعض كبار المستثمرين إلى أن صناديق التحوط خسرت في عام فيروس كورونا أكثر مما خسرته خلال الأزمة المالية العالمية، إذ كان أداء صناديق التحوط الكبرى خلال العام الماضي أقل بشكل ملحوظ من متوسطات تلك الصناعة.
وخرجت الصناعة من الجائحة مصابة بالتشتت، فما يقارب 50 في المائة من صناديق التحوط حققت عوائد إيجابية، وبلغ متوسط المكاسب بين الفائزين نحو 10.83 في المائة، على الجانب الآخر بلغ متوسط الخسارة في النصف الثاني من صناديق التحوط 10.98 في المائة، ومع هذا لا يجوز الاستهانة بتلك الصناديق خاصة في ظل ما تمتلكه من قدرات مالية عظيمة الشأن.
وقفز إجمالي قيمة الأصول الخاضعة لإداراتها 2335 في المائة بين عامي 1997 و2018، وعلى الرغم من انخفاض إجمالي الأصول التي تديرها الصناعة من 3.12 تريليون عام 2019 إلى أقل من ثلاثة تريليونات دولار العام الماضي ولأول مرة منذ عام 2014، فالجميع أمام مؤسسات استثمارية ذات قدرات مالية استثنائية، تجعلها صروحا عملاقة في المجال الاستثماري، قد تتعرض إلى هزة هنا أو رجة عنيفة هناك، لكنها تظل مع ذلك صلبة ومتينة، وجزءا أصيلا لا يتجزأ من المشهد المالي والاستثماري العالمي.
وفي هذا السياق يقول لـ«الاقتصادية» الدكتور برايثون كامبيل أستاذ النظم الاستثمارية في جامعة جلاسكو، "صناديق التحوط ستواصل نشاطها خلال هذا العقد بكل تأكيد، لكن بعض اتجاهات الصناعة قد تدفعها إلى تشكيل هياكلها للتأقلم مع المستجدات الحديثة، وقد نواجه عمليات إغلاق لبعض تلك الصناديق.
وأضاف، "لكن هذا قد يوجد وضعا يدفع صغار صناديق التحوط ومتوسطيها إلى التوحد تحت راية إدارة واحدة، في محافظ استثمارية أكبر، وأنماط استثماري أكثر تنوعا وديناميكية، بما يساعد في تحقيق العوائد من خلال وفورات الحجم وزيادة القوة التسويقية".
وتوافق الخبيرة الاستثمارية جيل آرثر على أن هذا الاتجاه سيكون الاتجاه الرئيس لصناديق التحوط في الأعوام العشرة المقبلة، لكنها ترى أنه سيكون هناك عدد من الملامح الأخرى بعضها نابع من التنامي الراهن لاستخدام التكنولوجيا في اتخاذ القرارات الاستثمارية.
وتعلق لـ«الاقتصادية»، "يمكن أن تشهد صناديق التحوط تخفيف القيود المشددة حول من يسمح له بالاستثمار فيها، فحتى الآن تتطلب معظم الصناديق استثمارات أولية كبيرة في الأغلب ما تكون بالملايين وهي أرقام تتلاءم مع المستثمرين المحترفين أو الأفراد من أصحاب القدرات المالية الكبيرة، ومع ذلك فإن تقليل الحواجز لدخول مستثمرين أقل قدرة تلوح في الأفق".
وبشأن زيادة استخدام التكنولوجيا لا سيما الذكاء الاصطناعي فإنها تؤكد أنه سيكون هناك استخدام كثيف للتكنولوجيا الرقمية من قبل إدارات صناديق التحوط للتفوق على المتداولين البشر، وقد يسمح ذلك بانخفاض التكاليف، لأن التكنولوجيا بمرور الوقت يمكن أن تكون أكثر كفاءة وأقل تكلفة من الموظفين البشر.
لكن تلك التوقعات المرتبطة بالمستقبل طويل الأجل نسبيا بالنسبة لصناديق التحوط لا تنفي أهمية التساؤل عن الاتجاه الذي يتوقع أن تسلكه تلك الصناديق في ظل القلق السائد بشأن الاقتصاد الدولي في الوقت الحالي، وفقدان الثقة الذي لا يزال مخيما على قناعات عديد من كبار المستثمرين الدوليين.
أما الخبير الاستثماري بين أنجوس متفائل بشأن مستقبل صناديق التحوط في عام 2021، ويعد أن أداءها المرتبك العام الماضي، كان جزءا من مشهد اقتصاد عام سلبي، لكنه يكشف أيضا مدى تفاعلها مع النظام الاقتصادي الدولي وتداخلها التام في مفاصله المختلفة.
ويضيف، "صناديق التحوط التي تتبنى استراتيجيات استثمارية أكثر حيوية واندفاعا، تتحرك بناء على اعتقادها بأن عديدا من القطاعات غير المرغوب فيها سابقا ابتداء من الطاقة إلى تجارة التجزئة ستنتعش هذا العام، وسيكون هناك انفجار في الطلب المكبوت على السفر والترفيه ينتج عنه معدلات نمو فائقة القوة ستصب في معدلات الربحية لصناديق التحوط".
وأكد أنه لا شك أن مديري صناديق التحوط يقومون الآن بعملية جردة حساب تفصيلية بمعرفة جوانب القصور والقوة في أداء العام الماضي، إذ سيتم تقييم نماذج تشغيل الأعمال، عبر فحص العمليات الأساسية، وهياكل التكلفة، وبيئات العمل المختلفة والمختلطة، على أمل تحقيق مزيد من الكفاءة خلال هذا العام، لكن تلك الجردة الحسابية تتم وعين المديرين على الأسواق الآسيوية بالأساس".
فصناديق التحوط جزءا جديدا نسبيا من المشهد الاستثماري في منطقة آسيا والمحيط الهندي، إذ تركزت تلك الصناديق بحكم التطور الاقتصادي في الولايات المتحدة وأوروبا، ولا تمتلك صناديق التحوط الآسيوية ذات التاريخ، لكنها تتمتع بأداء قوي للغاية في ظل النمو المستمر للأسواق الآسيوية.
ويوضح الدكتور أليوت إيدان أستاذ الاقتصادات الناشئة في جامعة لندن بالقول، "أسواق الأسهم الآسيوية على سبيل المثال توفر بيئة جذابة لصناديق التحوط، وسوق الأسهم الصينية من الفئة A ثاني أكبر سوق للأسهم في العالم وواحد من أكثر الأسواق سيولة، ومن ثم توجد فرص حقيقية لتحقيق عوائد ضخمة لمصلحة صناديق التحوط قد تراوح في بعض الأحيان بين 60 - 100 في المائة مع تركيز استثماراتهم في منطقة آسيا والمحيط الهادئ خلال هذا العقد".