البطاريات تكبح انتعاش سوق السيارات الكهربائية .. اختناق الإمدادات يجبر شركات على وقف نشاطاتها

البطاريات تكبح انتعاش سوق السيارات الكهربائية .. اختناق الإمدادات يجبر شركات على وقف نشاطاتها
الحصة الأوروبية من السيارات الكهربائية ستقفز الى نحو 15 في المائة من اجمالي الاستهلاك العالمي.

من المتوقع أن يتسارع الاعتماد على السيارات الكهربائية خلال هذا العقد، إذ عزز انخفاض أسعارها، والوعي العام بمخاطر التلوث البيئي، وتطور تقنيات التصنيع وتحسن الأداء، العوامل التي تدفع إلى إحلال السيارات الكهربائية محل السيارات التقليدية.
ومع هذا، فإن صناعة السيارات الكهربائية لا تزال تواجه عديدا من التحديات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالبطاريات التي تستخدمها تلك النوعية من السيارات. وعلى الرغم من نجاح الشركات المطورة للسيارات الكهربائية في تحقيق عدد من الاختراقات في هذا المجال، فإنها لا تزال تواجه صعوبات لتطوير البطاريات، لجعلها عالية السعة وسريعة الشحن ومنخفضة التكلفة، إذ إن تحديات من هذا القبيل قد تفقد المركبات الكهربائية كثيرا من جاذبيتها بالنسبة إلى المستخدم.
ولمعرفة التأثير المهم للبطاريات في تطور صناعة السيارات الكهربائية، فإنه في شباط (فبراير) الماضي، أوقفت شركة أودي الألمانية إنتاج سيارتها الرياضية متعددة الاستخدامات e-tron، وأعلنت الشركة حينها أن السبب يعود إلى "اختناقات إمدادات البطارية"، وخفضت الشركة هدفها الإنتاجي إلى حدود 4100 سيارة، أي أقل بنحو 1600 من هدفها لعام 2020.
ولم تكن شركة أودي حالة معزولة، فشركة جاجور لاند لوفر، أوقفت مؤقتا إنتاج سياراتها الرياضية الكهربائية متعددة الاستخدامات I-Pace ، كما هو الحال لمرسيدس EQC بسبب عدم توفر بعض المكونات الرئيسة للبطاريات، بما في ذلك الليثيوم والكوبالت.
ويخشى عديد من منتجي السيارات الكهربائية من ازدياد الوضع صعوبة في المستقبل، إذ يتوقع أن يصل الإنتاج العالمي من السيارات الكهربائية إلى 12 مليون سيارة بحلول عام 2025، وبحلول عام 2030 يتوقع أن تبلغ نسبة الزيادة في الطلب على السيارات الكهربائية 950 في المائة، لتصل المبيعات إلى 21 مليون سيارة كهربائية. ومن هذا المنطلق، يتوقع أن تقفز قيمة سوق بطاريات السيارات الكهربائية من 35 مليار دولار عام 2019 إلى 152 مليار دولار تقريبا بحلول عام 2027، بمعدل نمو سنوي مركب قدره أكثر من 20 في المائة.
من جانبه، يقول لـ"الاقتصادية" المهندس كوهين آرل من مجموعة إف سي إم لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، "تواجه سلسلة توريد بطاريات المركبات الكهربائية عددا من العقبات، بما في ذلك التكاليف المرتفعة، والمخاوف البيئية المرتبطة باستخراج ومعالجة المعادن الرئيسة المستخدمة في عملية الإنتاج، ويخشى عديد من المصنعين نقصا في العرض الأساسي للمواد الرئيسة، وهذا سيكون له تأثير سلبي في تصنيع المركبات الكهربائية".
وأضاف، "ربما تعود تلك المخاوف إلى أن الكوبالت، وهو عنصر أساسي في تصنيع تلك البطاريات، يتركز في دولة واحدة وهي الكونغو، والمسؤولة عن 65 في المائة من الإنتاج العالمي، والكونغو واحدة من أقل دول العالم نموا، وتشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي، وتتعرض لعديد من الانتقادات الدولية فيما يتعلق بمخاطر إنتاج الكوبالت فيها، سواء من ظروف العمل الخطرة، والعمل الإجباري، وعمالة الأطفال".
ومع ذلك، فان الطلب العالمي على الكوبالت نتيجة صناعة بطاريات السيارات الكهربائية في تزايد، وقد يصل الطلب إلى 430 ألف طن من الكوبالت خلال هذا العقد، لكن أغلب التقديرات تشير إلى أن المعروض العالمي لن يستطيع مواجهة الطلب، وأن الزيادة المتوقعة في إنتاج المعدن بين عام 2017 - 2023 هامشية للغاية من 149 ألف طن إلى 160 ألف طن.
ويعد الليثيوم عنصرا آخرا مهما في صناعة تلك البطاريات، وبعكس الكوبالت لا يواجه نقصا في التعدين، لكن ليس من السهل استخراجه، لأن الطريقة الحالية لفصله عن رواسبه الملحية التي يوجد فيها بطيئة وغير فاعلة.
كما أن جائحة كورونا وضعت شكوكا على مدى استدامة سلاسل التوريد العالمية بشأن الليثيوم، وإذا كانت الصين تنتج بمفردها 79 في المائة من هيدروكسيد الليثيوم المستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية، فان ارتفاع الأسعار 3.1 في المائة، والخلافات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، أدى إلى تأخر شركات إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في الصين وتعثرها، مثل شركة كاتل وبايد، عن توفير احتياجات الأسواق، ومن ثم نقص الإمدادات لشركات صناعة السيارات الغربية.
ومع إدراك مصنعي السيارات الكهربائية محورية البطاريات ودورها الحاسم في التأثير في الطلب العالمي على منتجاتهم، سعى بعض المنتجين وفي مقدمتهم شركة تسلا، الشركة الرائدة في مجال إنتاج السيارات الكهربائية، التي بلغ إنتاجها العام الماضي أقل قليلا من نصف مليون سيارة، إلى العمل على امتلاك زمام الأمور بالتخطيط لإنشاء أكبر مصنع لبطاريات السيارات الكهربائية في العالم في إحدى ضواحي العاصمة الألمانية برلين.
وترافق هذا مع قيام شركة باناسونيك اليابانية بالاستفادة من نجاحها مع شركة تسلا في إدارة أكبر مصنع للبطاريات في العالم في نيفادا في الولايات المتحدة إلى العمل على التغلب على محدودية نشاطها في أوروبا، بإنشاء أول مصنع لها في النرويج، خاصة أن الحصة الأوروبية من السيارات الكهربائية العاملة بالبطاريات ستقفز إلى نحو 15 في المائة من إجمالي الاستهلاك العالمي من تلك النوعية من السيارات هذا العام.
من ناحيته، يقول لـ"الاقتصادية"، الدكتور المهندس شيرينج فيل الخبير في تقنيات البطاريات في جامعة لندن، "تلك التوسعات في مجال إنتاج البطاريات تكشف عن إدراك مصنعي السيارات أن الاستمرار في دعم الطلب المتنامي على السيارات الكهربائية سيعتمد في الجزء الأكبر منه على القدرة على خفض سعر البطارية لتقليص تكلفة إنتاج السيارات الكهربائية، وزيادة سعة تلك البطاريات لزيادة الجاذبية من قبل المستهلكين".
ويستدرك قائلا، "السيارات الكهربائية في أوروبا فقط سترفع الطلب على البطاريات بمقدار عشرة أضعاف خلال هذا العقد، وهذا الانفجار لن يكون ممكنا إلا إذا جعلنا البطاريات أرخص وأكثر متانة وكفاءة".
وتهيمن الشركات الآسيوية على سوق بطاريات السيارات الكهربائية، وتقوم بتوسيع طاقتها الإنتاجية في أوروبا والصين والولايات المتحدة للفوز بعقود مربحة من شركات صناعة السيارات العالمية، وتعد شركة كاتل الصينية أكبر مصنع لبطاريات السيارات الكهربائية في العالم، حيث تعد المورد الرئيس لـ"مرسيدس" و"فولفو" و"تويوتا" و"هوندا".
بدوره، يرى الباحث ادير البريت الخبير في شؤون الاقتصاد الصيني، أن شركة كاتل نموذج لإدراك الصين للمستقبل الواعد للسيارات الكهربائية، ونظرا إلى أن الصين ستواصل تبوؤها المركز الأول في استهلاك السيارات الكهربائية على مستوى العالم، فإنها ترغب في ضمان سيطرتها على جزء مهم وحيوي في تلك الصناعة.
وأكد أنه بالفعل، فإن شركة كاتل قد برزت بوصفها الشركة الأكبر في مجال صناعة بطاريات السيارات الكهربائية بفضل سياسة بكين في دعم المركبات الكهربائية المجهزة بالبطاريات المصنعة في الصين فقط، ومع نجاح شركة كاتل، فإنها تخطط حاليا للتوسع بإنشاء أول مصنع خارجي لها في ألمانيا وآخر في الولايات المتحدة.

الأكثر قراءة