محتاجة

يقول مصطفى صادق الرافعي "قيمة كل شيء هي قيمة الحاجة إليه فتراب شبر من الساحل هو في نظر الغريق أثمن من كل ذهب الأرض".
تذكرت هذه المقولة وأنا أستمع إلى إحداهن وهي تشتكي من مرارة احتياجها وقلة ذات يدها على الرغم من رواتب أبنائها المرتفعة تقول، "رزقني الله أربعة أبناء وثلاث بنات ولأن الذكور هم الكبار فقد تزوجوا جميعا ثم تزوجت ابنتاي لاحقا ولم يتبق سوى الصغرى التي تدرس في الجامعة. حين توفي زوجي لم يكن لنا سوى المنزل الذي نقيم فيه وراتب الضمان الاجتماعي واستطعت من ستر الله علي أن أوازن بين حياتنا وهذا الراتب، ثم حين بدأ أبنائي في العمل الوظيفي أصبحت أشعر بالارتياح المادي لم يدخروا جهدا في ترميم المنزل وتأثيثه والتنازل عن ملكيته لي، وحين بدأ كل واحد منهم في الزواج والاستقلال بحياته كانت مساعداتهم المالية لي تنقص شيئا فشيئا حتى انقطعوا تماما عن دعمي بمصروف المنزل واحتياجاتي الأساسية. أنا بطبعي أكره استجداء نظرة احتياج أو شفقة من أي شخص في العالم ولا أظهر حتى لأبنائي أني محتاجة ماديا، ولذلك حين يزوروني مع أبنائهم نهاية الأسبوع أضغط على ميزانيتي وأتكلف في صنع الأكل والضيافة لهم. أصبحت ابنتي الصغرى تعمل في أوبر لتوصيل العائلات لتساعدني على تكاليف الحياة".
مثل هذه الأم وغيرها ممن يحيطون بنا من الأخوات والخالات والعمات والجدات ربما يحتاجون ماديا لكن عزة النفس والكرامة تمنعهن من التصريح المباشر بهذا الاحتياج، "وش يضرك" لو "دسيت" مبلغا من المال في يد أختك أو خالتك أو عمتك أو جدتك، أنت في الحقيقة تهبها سعادة وتفريج كربة ربما تشعرك في لحظتها كأنك أعتقتها من قصاص، لا تستهن بتلمس احتياج من حولك، بعض اللئام من الناس ممن أغناهم الله تعالى حتى لو صرحت له إحدى قريباته بشكل مباشر يطبق قاعدة "اعمل نفسك ميت".
تحسسوا احتياجات من تحبون ولا تضطروهم لإهدار كرامتهم لطلب مساعدتكم، لا تسمحوا لهذه الحياة المادية التي نعيشها أن تسلب منكم إحساسكم بمن حولكم وتحرمكم لذة العطاء والإحسان وتفريج الكروب، إذا رأيت إحدى محارمك ممن تعدين الـ50 أو الـ60 لا ترتدي خاتما أو إسوارة من ذهب فاعلم أنها "محتاجة".
وخزة
لن تجد أشد لؤما من شخص مقتدر ماديا بينما والدته أو إحدى محارمه تعاني مرارة الحاجة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي