Author

السباق بين الممارسة والتنظيم

|
من ينظر إلى ممارسات الأعمال محليا، سيجد أن هناك حالة عامة من الامتعاض من التنظيمات المتزايدة التي تؤثر في طريقة أداء العمل وتزيد بطبيعة الحال من التحديات المصاحبة له، بما في ذلك التكلفة. قد تأتي هذه التغييرات في شكل إعادة تنظيم لطريقة أداء النشاط الرئيس، أو في طريقة إدارة وتوفير الموارد البشرية، أو في المتطلبات الخاصة بأمور عامة أخرى، لكنها تؤثر في طريقة أداء العمل. تكلفة الامتثال ليست فقط إجراءات الامتثال التحضيرية والروتينية وإنما في التغيير الجذري لنموذج العمل الذي قد يتأخر عما يحصل تشريعيا وتنظيميا.
في أوقات سابقة، كانت الممارسات إجمالا تعمل في وضع أشبه بالفراغ التنظيمي، وهذا الأمر ليس سلبيا بالضرورة. فقد أسهم في بناء الأعمال وتنميتها وأعطى الفرصة لتحقيق أرباح سهلة للتجار ورجال الأعمال. وأسهم كذلك في تكوين كيانات قوية تكون أقدر على الاستمرار، واستيعاب المتطلبات والتنظيمات عندما تبدأ في الظهور. بل إن هذا الوضع السابق أسهم في وجود حالة من تقدم الممارسات على التنظيمات لدرجة كان فيها أصحاب الأعمال يبحثون عن التنظيم وربما أسهموا في صناعته، فالتنظيم يمنحهم الفرصة للوجود بشكل نظامي ويحمي الحقوق ويعظم من فرص النمو في مجالات وتفرعات جديدة لأعمالهم. على سبيل المثال، لو ننظر إلى نظام الامتياز التجاري أو نظام استثماري مثل الصناديق العقارية المتداولة لوجدنا أنها تفتح أبوابا وتسمح بالنمو في مجالات كانت تعاني أو لم تكن موجودة سابقا.
في الوقت الحالي هناك تحد كبير نراه على أرض العمل، وهو أن كثيرا من مديري الأعمال يعانون في متابعة التنظيمات المتزايدة والامتثال لها، بل إن بعضهم ينظر لها كأنها مقصلة الإعدام التي ستخرجه من عالم الأعمال. البعض فعليا خرج. وما أجده أن كثيرا من هؤلاء لديهم مشكلة تزامن لا أكثر. إذ إن سرعتهم سابقا كانت كافية لتتجاوز ممارساتهم مستوى التنظيمات الموجودة بشكل كبير، لكن هذه السرعة نفسها لا تكفي اليوم لتجاوز التنظيمات المتزايدة.
أصبح السباق بين الممارسة والتنظيم مختلفا اليوم، فمن كان ممارسا بارعا في زمن مضى أصبح اليوم يعاني للحاق بالتنظيمات الجديدة. في عالم مختلف تماما بالنسبة له يشعر كأنه مظلوم لا تكاد تسمع منه إلا البكائيات. في الحقيقة هو مجرد وحدة جامدة في عالم ديناميكي يتغير بشكل سريع جدا. من الطبيعي أن من يتأخر في تطوير ممارساته سيجد نفسه ضعيفا لا يقوى على المقاومة. تطوير مستوى الممارسات في عالم الأعمال ليس بذخا ولا تميزا، بل هو مطلب أساسي للبقاء والاستمرارية. وهنا محور التحول الأهم، هناك من يعتقد أن تميزه في السابق أو تفوقه في الممارسات على الواقع والتنظيم وما إلى ذلك سيمنحه البقاء والاستمرار الدائمين. وهذا غير صحيح. نعم، يساعد التميز السابق على تعزيز قاعدة الانطلاق لكنه لا يكفي. التكيف والتطور هما الأساس لضمان البقاء.
معادلة الأرباح ونظرية البقاء والتكيف في عالم الأعمال لا تعطي "الأنا" أي اعتبار. من يعتقد أنه يستحق تعاملا خاصة لأنه ناجح سابق أو موجود مخضرم سيصطدم بجدران كثيرة. سرعة المتغيرات التنظيمية اليوم مختلفة تماما عما يحدث في السابق، وهذه تتطلب سرعة استثنائية في تطوير الممارسات. وهذا يعني مهارات خاصة في التعلم على المستويين الشخصي والمؤسسي، ومرونة عالية لنموذج العمل وقدرته على التكيف مع مختلف الظروف المحيطة. أحد رجال الأعمال الذين نجحوا في الوجود على مدى ثلاثة عقود بنموذج بسيط جدا "التقديم على المشاريع وتوريد المواد للجهات الحكومية" ينفجر اليوم غضبا لأن مشروعه أصبح بهامش ربح بسيط جدا لا يكاد يكفي للحفاظ على نمو العمل ودره للأرباح. وفي الوقت نفسه، لا يريد تغيير طريقة عمله ورفع مستوى الأتمتة لتخفيض التكاليف ولا يريد في الوقت نفسه تطوير نموذج العمل وتوسيع دائرة العملاء أو البحث عن مجال جديد للعمل مع الجهات الحكومية، ومع ذلك، يشعر بالظلم، حسب رأيه: متطلبات الزكاة والضريبة والامتثال مع القوانين التجارية ومعدل المنافسة تزيد والأرباح قلت. من العادل جدا أن من لا يفهم الواقع كما يحدث ولا يود رفع معدل سرعة تطوير ممارسته للتزامن بشكل جيد مع التنظيمات وكل التحديات الموجودة في بيئة العمل أن يصبح على شفا حفرة الخروج من السوق، والقرار دائما بيده. تكاد تسمع منه إلا البكائيات. في الحقيقة هو مجرد وحدة جامدة في عالم ديناميكي يتغير بشكل سريع جدا. من الطبيعي أن من يتأخر في تطوير ممارساته سيجد نفسه ضعيفا لا يقوى على المقاومة.
إنشرها