مفوض السوق الداخلية الأوروبية: «بريكست» مأساة لبريطانيا .. حرمت من 50 مليار يورو

مفوض السوق الداخلية الأوروبية: «بريكست» مأساة لبريطانيا .. حرمت من 50 مليار يورو
قطاع الصيد البحري كان رابطا قويا بين البريطانيين والأوروبيين منذ نصف قرن. "الفرنسية"

عدّ تييري بروتون مفوض السوق الداخلية الأوروبية ، أن بريكست يشكل "مأساة" تحرم المملكة المتحدة من المساعدة التي كان من الممكن أن يقدمها الاتحاد الأوروبي لها، فيما تواجه أيضا انتشار سلالة جديدة شديدة العدوى من فيروس كورونا.
وبحسب "الفرنسية"، قال المسؤول الأوروبي لإذاعة "بي إف إم بزنس" "أقولها بحزن، إن ما يحدث في بريطانيا مأساة، وبريكست يشكل مأساة، ويظهر ذلك أكثر فأكثر كل يوم، ونحن نأسف بشدة لهذا القرار" وإن "كنا نحترمه لأن الشعب البريطاني صاحب السيادة بالطبع".
وأضاف "لو قررت بريطانيا البقاء في الاتحاد الأوروبي، لكان بحوزتها اليوم مثل جميع الدول الأوروبية، ما بين 30 و40 و50 مليار يورو، ولتمكنا من مساعدتها كما هو الحال بالنسبة إلينا جميعا في إطار صندوق الدعم" الذي وضعته المفوضية. وأعرب عن أسفه لأن "بريطانيا تحرم نفسها منه".
ومن المقرر تنفيذ خطة الإنعاش الأوروبية الممولة من قروض مشتركة وتبلغ 750 مليار يورو، بينها أكثر من 300 مليار من الإعانات المقدمة للدول الأعضاء، خلال عام 2021، مع سداد الدفعات الأولى بنهاية الربع الأول. وستحصل فرنسا على نحو 40 مليار يورو.
وأضاف بروتون "هناك مسألة بريكست المعقدة، ومهما حدث، فإن بريطانيا ستكون خاسرة، بالطبع أريد أن نتوصل إلى اتفاق" و"أعتقد أنه في النهاية سنتوصل إلى اتفاق ولكن إضاعة الوقت والتردد، ما الغاية من ذلك؟".
واستمرت مفاوضات بريكست بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بعد مفاوضات في عطلة نهاية أسبوع تركزت على قضية الصيد، التي تعرقل أي احتمال للتوصل إلى اتفاق قبل 11 يوما فقط من الانفصال النهائي.
وفي المخازن المبردة لمجموعة جيمس كوك في جنوب شرق اسكتلندا، تكون سرطانات البحر والكركند جاهزة للإرسال إلى المطاعم في أنحاء الاتحاد الأوروبي، شرط الوصول في الوقت المناسب للبقاء طازجة، وهذا أمر سيمثل تحديا بدءا من الأول من كانون الثاني (يناير) مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
يدير جيمس كوك واحدة من كبرى الشركات المصدرة للمأكولات البحرية في اسكتلندا، وهي مجموعة "دي آر كولينز". وترسل الشركة التي يقع مقرها في ميناء أيماوث حمولتها التي توفرها قوارب الصيد المحلية إلى بولونيه سور مير في شمال فرنسا لبيعها لأصحاب المطاعم والفنادق الفرنسية.
ويجب أن تتم عملية التوصيل خلال 48 ساعة.
وقال كوك لـ"الفرنسية"، "كل وقت ضائع في هذه العملية يتسبب في انهيار بقية سلسلة التوزيع".
منذ أن تولى جيمس كوك البالغ من العمر 64 عاما إدارة الشركة في 1990، كانت عمليات الشحن إلى فرنسا تسير بسلاسة ومن دون معوقات. لكن هذا الأمر سيتغير عندما تغادر المملكة المتحدة السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي في نهاية الفترة الانتقالية لبريكست مساء 31 كانون الأول (ديسمبر).
ومن المرجح أن يتسبب إنجاز المعاملات الجمركية في تشكل طوابير طويلة في موانئ قناة المانش، ما يعرض المنتجات الطازجة للخطر.
والأخطار كبيرة بالنسبة إلى جيمس كوك الذي يحصل على 80 في المائة من إيراداته (أكثر من 60 مليون يورو سنويا) من التعامل التجاري مع الاتحاد الأوروبي.
وإذا لم تنجح لندن وبروكسل في التوصل إلى اتفاق للتجارة الحرة في الوقت المحدد، فإن الرسوم الجمركية ستزيد من أسعار منتجاته، ما يجعله غير قادر على المنافسة وتجبره على البحث عن مشترين في مكان آخر.
لكن بالنسبة إلى جيمس كوك الذي يعد أن السلطات تتجاهله، سيكون من الصعب إيجاد أسواق جديدة مستعدة لدفع أسعار مرتفعة مقابل المأكولات البحرية الاسكتلندية.
وأصبحت مسألة الصيد البحري واحدة من أصعب نقاط الخلاف في المفاوضات الجارية للتوصل إلى اتفاق تجاري بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بعد بريكست.
ويمثل هذا الموضوع رمزا للسيادة التي تريد المملكة المتحدة استعادتها، لكنه يمثل أيضا روابط البلاد الوثيقة مع جيرانها الأوروبيين والتي تعود في هذا القطاع إلى أبعد من نصف قرن من الاتحاد مع الأوروبيين.
في اسكتلندا، يرتبط الموضوع بشكل وثيق بالحركة الداعية إلى الاستقلال.
وقال جيمس كوك "طموحنا للبقاء في أوروبا تم تجاهله. أوضحنا أننا نريد البقاء" في الاتحاد الأوروبي.
قبل الاستفتاء الذي أجري في 2014 بشأن الاستقلال، حذرت الحكومة من أن فوز الـ"نعم" سيحرم هذه المقاطعة البريطانية من الوصول إلى الاتحاد الأوروبي. وقد صوت الاسكتلنديون 55 في المائة ضد الاستقلال.
وبعد عامين، صوتوا 62 في المائة ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي تمت الموافقة عليه 52 في المائة على مستوى المملكة المتحدة.
وقد ولدت هذه النتيجة شعورا بالخيانة لدى عديد من الاسكتلنديين وأحيت حركة الاستقلال التي عززتها الإدارة الفوضوية لوباء كوفيد - 19 من جانب حكومة بوريس جونسون المحافظ.
وأظهر استطلاع جديد أجراه معهد "سافانتا كومريس" ونشرته صحيفة "ذي سكوتسمان" الخميس أن الأغلبية ترغب في إنهاء 300 عام من الاتحاد مع إنجلترا والانفصال عنها.
ويتقدم الحزب الوطني الاسكتلندي الذي تنتمي إليه نيكولا ستورجون رئيسة الوزراء، بشكل كبير نيات التصويت في الانتخابات المحلية المقررة في أيار (مايو) المقبل، وهو يصر على أنه يريد إجراء استفتاء جديد لتقرير المصير.
لكن القرار يعود إلى بوريس جونسون الذي يرفض بشدة هذا الأمر.
ومع ذلك، وفقا لنيكولا مكيوين أستاذة العلوم السياسية في جامعة إدنبرة، فإن فوز الحزب الوطني الاسكتلندي العام المقبل سيضع مزيدا من الضغط على لندن لقبول استفتاء جديد، أطلق عليه "إنديريف2".
وأضافت "كل ما يحتاج الحزب الوطني الاسكتلندي التحدث عنه هو الحق في اتخاذ القرار. لا يحتاج إلى الخوض في التفاصيل أو العقبات المرتبطة بالحصول على الاستقلال".
في ميناء آيماوث القريب من الحدود الإنجليزية، أوضح جيمس كوك أنه أراد البقاء في الاتحاد الأوروبي بسبب الروابط التي أقامتها شركته مع التكتل. وقال إنه حزين لرؤية اسكتلندا تتخلى عن هذه الشراكة رغما عنها.
وختم "نحن نعتمد بشكل كبير على الشراكات التي أنشأناها في أوروبا وفرنسا هي سوقنا الرئيسي".
وعدّ أعضاء البرلمان الأوروبي أنه بات "مستحيلا" المصادقة على اتفاق بشأن بريكست في الوقت المناسب ليدخل حيز التنفيذ في 1 كانون الثاني (يناير)، بعدما تجاوز المفاوضون المهلة التي حددوها منتصف ليل الأحد.
وكتب مانفريد ويبر رئيس أكبر كتلة في البرلمان الأوروبي في تغريدة "لقد أضاعت الألعاب السياسية في وستمنستر كثيرا من الوقت. أصبح من المستحيل الآن على البرلمان النظر في الاتفاق قبل نهاية العام. لن نوافق على أي نص، إن ذلك مهم للغاية".
وإذ رأى أنه من الضروري عدم "التسرع" في اتخاذ قرار بشأن النص، تعهد بأن يظل البرلمان "شريكا بناء" وأشار إلى أنه يمكن تطبيق "آليات أخرى" لحين دخول اتفاق محتمل حيز التنفيذ، قبل عشرة أيام فقط من الخروج النهائي للمملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
على سبيل المثال، يمكن تطبيق اتفاق تم التوصل إليه في اللحظات الأخيرة بشكل مؤقت في الأول من كانون الثاني (يناير)، ليصادق البرلمان الأوروبي عليه لاحقا. لكن عدة مصادر أوروبية ترى أن هذا الاحتمال غير ممكن فنيا إلا إذا تم التوصل إلى توافق قبل عيد الميلاد، وإلا فإن الخروج دون اتفاق على الأقل على مدى بضعة أيام، يبقى الاحتمال الأكثر ترجيحا.
حذرت ناتالي لويزو النائبة الفرنسية في البرلمان الأوروبي "في الواقع، سنكون أمام (لا اتفاق)، إن كان بصورة فنية أو لا، لكن في الأول من كانون الثاني (يناير) سيكون هناك انفصال كبير علينا الاستعداد لذلك".
واستأنفت المفاوضات المتعثرة خصوصا حول القضية الشائكة المتعلقة بوصول الصيادين الأوروبيين إلى المياه البريطانية.
وقال صادق خان عمدة لندن إنه يجب السماح باستمرار المباحثات بشأن التوصل إلى اتفاق تجاري بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لما بعد الموعد المحدد وهو 31 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، بحسب "الألمانية".
وأضاف في بيان " تأمين سلاسل الإمداد الرئيسة ومكافحة جائحة كورونا تتطلب جهود الوزراء الكاملة والموحدة بصورة أكثر من أي وقت مضى". وأوضح قائلا "إنني أحث الحكومة على السعي رسميا لتمديد الفترة الانتقالية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".
ويطرح خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي تساؤلات حول قدرتها على الحفاظ على وحدتها، تعززها الرغبات المحلية بالاستقلال التي تصاعدت بفعل تفشي وباء كوفيد - 19، وهي مسألة مهددة بالانفجار في أي وقت، كما يرى بعض الخبراء.
يرى نائب مدير مركز "يوروبيان ريفوم" للدراسات جون سبرينغفورد في حديث مع فرانس برس أن "بالنسبة إلى سؤال ما إذا كان بريكست سيؤدي إلى نهاية المملكة المتحدة، فالأمر ممكن بالتأكيد، وربما هو النتيجة الأكثر ترجيحا".
ويعد الخبير أنه مع اتفاق تجاري مع الأوروبيين أو بدونه، فإن أثر بريكست الذي نفذ في 31 كانون الثاني (يناير) الماضي، سيكون سببا في مضاعفة الانقسامات المحلية، ولا سيما عندما سيتجلى بشكل ملموس، أي ابتداء من الأول من كانون الثاني (يناير) المقبل، تاريخ مغادرة بريطانيا للاتحاد الجمركي والسوق الموحدة الأوروبية في ختام مرحلة انتقالية هدفت إلى تخفيف أثر الصدمة، بحسب "الفرنسية".
وغرقت بريطانيا، المؤلفة من أربع مقاطعات، في انقسام عميق منذ استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي في عام 2016. وفي حين صوتت إنجلترا وويلز لمصلحة الخروج، أيدت إيرلندا الشمالية واسكتلندا البقاء.
ولم تقنع مؤيدي الاستقلال في هاتين المقاطعتين، رسالة رئيس الوزراء بوريس جونسون بأن المملكة المتحدة ستزدهر حينما ستدير ظهرها مرة واحدة وللأبد، للاتحاد الأوروبي.
شكل بريكست محركا لإعادة الزخم لقضية الاستقلال في اسكتلندا، التي بدا أنها انتهت مع فشل استفتاء تقرير المصير في عام 2014.
وكان الوباء مع آثاره المدمرة إنسانيا واقتصاديا، سببا في إعطاء دفع لحركة الاستقلال من جديد. وحظيت الإدارة المتينة لرئيسة الوزراء المحلية من الحزب الوطني الاسكتلندي المؤيد للاستقلال نيكولا ستورجون لأزمة الوباء بالثناء، مقابل إدارة بوريس جونسون التي عدّت فوضوية، ما عزز الرغبة في الانفصال عن المملكة.
يوضح سبرنغفورد "غالبا ما تشكل فترات النمو الضعيف سببا بتصاعد الانقسام السياسي"، مضيفا "أضف إلى ذلك بريكست، وحكومة محافظة لا تحظى بالشعبية أبدا في الشمال، وبالنتيجة يفترض أن يزداد التأييد للاستقلال" أكثر فأكثر.
وبينت استطلاعات للرأي نشرت منتصف كانون الأول (ديسمبر)، أن 58 في المائة من الاسكتلنديين يؤيدون الاستقلال حاليا، في حين أن 55 في المائة عارضوه عام 2014 في الاستفتاء.
ولن تتوانى ستورجون عن استغلال هذه الشعبية المتزايدة للسعي إلى الفوز في الانتخابات البرلمانية الاسكتلندية في 6 أيار (مايو) 2021، وزيادة الضغط على بوريس جونسون الذي رفض رفضا قاطعا السماح بتنظيم استفتاء جديد في اسكتلندا.
تشير أستاذة السياسة الإقليمية في جامعة إدنبرة نيكولا ماك إيون إلى أن "الحزب الوطني الاسكتلندي يأمل في أنه كلما كان أداؤه الانتخابي أقوى، سيكون صعبا على رئيس الوزراء البريطاني مواصلة الرفض".
مع ذلك، لا توجد مؤشرات على الإطلاق إلى أن زعيم المحافظين سيستسلم للمطلب الاسكتلندي في نهاية المطاف. فإذا استقلت اسكتلندا، فهي ستدخل الاتحاد الأوروبي وتتخلى عن الجنيه الاسترليني، وستقيم حدودا أكثر صرامة مع بريطانيا للحفاظ على وحدة السوق الأوروبية الموحدة.
في الأثناء، قد لا تكون تلك الحجج الاقتصادية مقنعة بالقدر نفسه الذي كانت عليه عام 2014. وتلفت الخبيرة إلى أن "كوفيد وبريكست خففا الثقة بالأمن الاقتصادي الذي توفره المملكة المتحدة".

الأكثر قراءة