Author

الهيدروجين الأخضر وقود المستقبل

|
ستصبح المملكة لاعبا أساسيا في سوق الهيدروجين العالمية، الأمر الذي يشكل رمزا لمعيشة استثنائية ومستدامة، وهي الرؤية التي يطمح لها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، من خلال بناء منشأة في مدينة المستقبل "نيوم" بقيمة خمسة مليارات دولار لإنتاج الهيدروجين بطريقة صديقة للبيئة لتوفير حلول مستدامة لمواجهة تحديات التغير المناخي. حيث تواجه البشرية الآن معركة ضارية تتعلق بالحفاظ على سلامة كوكب الأرض وتجنب بعض أسوأ آثار تغير المناخ.
ويرى الخبراء أننا بحاجة إلى وقف ارتفاع درجات الحرارة العالمية عن 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. وكي نحقق ذلك نحتاج إلى خفض انبعاثات الكربون العالمية إلى الصفر بحلول عام 2050، الأمر الذي يتطلب منا اتخاذ مجموعة متنوعة من الحلول. لكن الفترة الأخيرة شهدت تركيزا مكثفا على حل واحد هو الهيدروجين الأخضر، وهو ذلك الهيدروجين الذي يتم إنتاجه حصريا باستخدام الطاقة المتجددة.
تتمثل ميزة الهيدروجين الأخضر في كونه جزيئا نظيف الاحتراق، ما يعني أنه يمكن أن يساعد على إزالة الكربون من مجموعة من القطاعات التي ثبت لنا صعوبة تخليصها من الكربون في الماضي، مثل صناعة الحديد والصلب الكيميائية وصناعة النقل، خاصة النقل لمسافات طويلة. ويمكن أيضا استخدام الهيدروجين لتكييف المنازل وتخزين الكهرباء المتجددة بدلا من تركها تذهب هباء. إننا إذا كنا جادين بشأن إزالة الكربون، وإذا كنا جادين في مساعي التحول إلى عالم خال من انبعاثات الكربون، فلا مناص لنا من توسيع الاعتماد على الهيدروجين. إن استخدام الطاقة المتجددة يمكنه حتى الآن أن يحمينا مما يصل من 50 إلى 60 في المائة من إجمالي الانبعاثات في العالم، وذلك لأن هناك كثيرا من الصناعات الأخرى، والمنتجات النهائية التي لا تزال تخرج منها الانبعاثات ولا تستطيع الطاقة المتجددة الحيلولة دونها، بل يمكن أن يكون استخدام الهيدروجين هو الحل المناسب لها.
والهيدروجين عنصر نشط شديد التفاعل ولا يوجد منفردا في الطبيعة، بل يوجد فقط متحدا مع عناصر أخرى، فعلى سبيل المثال الماء عبارة عن مزيج من ذرتين من الهيدروجين، وذرة واحدة من الأكسجين. لذلك فإن الحصول على الهيدروجين يتطلب القيام بإنتاجه عن طريق استخراجه من المركبات المتكونة بشكل طبيعي مثل الماء، وعملية الاستخراج هذه عملية كثيفة الاستخدام للطاقة. ورغم أن الهيدروجين نفسه جزيء نظيف، فإن معظم الهيدروجين المنتج في الولايات المتحدة اليوم يتم استخراجه من الوقود الأحفوري في عملية تتسبب في تلوث كثيف. ويعد إنتاج الهيدروجين عالميا مسؤولا عن إطلاق نحو 843 طنا متريا من ثاني أكسيد الكربون كل عام، وهو ما يعادل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية في إندونيسيا والمملكة المتحدة مجتمعين.
ومن ثم انتقل التركيز أخيرا إلى الهيدروجين الأخضر، وإن كان إنتاجه لا يزال مكلفا للغاية. ورغم مساعي خفض تكاليف إنتاجه، فلا يزال هناك عدد من التحديات الأخرى، مثل عدم وجود البنية التحتية المناسبة لنقله وتخزينه، فضلا عن أن خلايا الوقود التي تحول الهيدروجين إلى طاقة قابلة للاستخدام في تشغيل السيارات لا تزال باهظة الثمن. ولا شك أن الحلول قادمة وأن التغلب على بعض هذه التحديات يمكن أن يدفع الإيرادات المباشرة من سوق الهيدروجين إلى 2.5 تريليون دولار بحلول عام 2050.
ويمكن إنتاج الهيدروجين بعدة طرق مختلفة، ويصنف الخبراء المصادر والعمليات التي يتم من خلالها استخراج الهيدروجين باستخدام الألوان. وحاليا يتم إنتاج الأغلبية الساحقة من الهيدروجين باستخدام الوقود الأحفوري، حيث يتم إنتاج الهيدروجين البني من الفحم في عملية تعرف باسم التغويز، بينما يمثل الهيدروجين الرمادي ثلاثة أرباع إنتاج الهيدروجين في العالم، ويتم استخراجه من الغاز الطبيعي عبر طريقة تعرف باسم إصلاح بخار الميثان. ويتمثل الجانب السلبي لهاتين العمليتين في انبعاث كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون من جرائهما. كما يتم إنتاج الهيدروجين الأزرق أيضا باستخدام الوقود الأحفوري، لكن عملية إنتاجه تنطوي على تقنية احتجاز الكربون وتخزينه. بيد أن هناك طريقة أخرى لإنتاج الهيدروجين تعرف باسم التحليل الكهربائي، حيث يقوم جهاز يعرف باسم المحلل الكهربي بتحليل المركب الذي يحتوي على الهيدروجين إلى عناصره المكونة باستخدام تيار كهربائي، ومن ثم ينقسم المركب - الماء العذب في هذه الحالة - إلى هيدروجين وأكسجين. وإذا كانت الكهرباء المستخدمة في هذه العملية مستمدة من مصادر الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، فإن الهيدروجين الناتج في هذه الحالة يعرف باسم الهيدروجين الأخضر.
ويستخدم أغلب الهيدروجين اليوم في جميع أنحاء العالم في الصناعات المختلفة بما في ذلك تكرير النفط وإنتاج الأمونيا وإنتاج الميثانول وإنتاج الصلب، لكن بفضل التطورات الأخيرة في عمليات إنتاج وتخزين الهيدروجين الأخضر، إضافة إلى التسابق العالمي نحو الاستدامة تحول الهيدروجين الأخضر إلى عنصر جذب لدى عدد من الصناعات المختلفة، بل أصبح كثير من الدول مؤمنة بقدرته على إحداث الفرق.
وها هي أوروبا تبذل المساعي الخضراء، حيث خصصت ما يصل إلى تريليون يورو من الحوافز للمبادرات الخضراء في الأعوام العشرة المقبلة، وفي الواقع يقدر نصيب الهيدروجين في هذه المبادرات بما يقرب من نصف تريليون يورو. أيضا قدم جو بايدن رئيس الولايات المتحدة المنتخب تعهدا كبيرا بمكافحة تغير المناخ، حيث صرح باعتزامه استثمار 1.7 تريليون دولار لتحويل اقتصاد الولايات المتحدة إلى اقتصاد نظيف الطاقة بنسبة 100 في المائة بحلول عام 2050. وكانت وزارة الطاقة الأمريكية قد أعلنت في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي أنها ستستثمر ما يصل إلى 100 مليون دولار لتعزيز إنتاج الهيدروجين، وتمويل جهود البحث والتطوير المتعلقة بتقنيات خلايا الوقود.
إنشرها