بنك التسويات الدولية: الركود الاقتصادي بفعل الجائحة يرفع معدل الوفيات

بنك التسويات الدولية: الركود الاقتصادي بفعل الجائحة يرفع معدل الوفيات
التقلبات الدورية في معدلات الناتج الإقتصادي والوفيات ترتبط بمرور الوقت.

أكدت دراسة لبنك التسويات الدولية وجود علاقة بين الركود الاقتصادي والوفيات وكوفيد - 19، حيث إن البلدان التي سجلت أكبر انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي المتوقع في 2020 شهدت أكبر عدد من الوفيات الناجمة عن الجائحة.
في استناده إلى البيانات التاريخية ذات العلاقة بين الأوبئة والاقتصاد، قال البنك إن "حالات الركود ترتبط بشكل منهجي بارتفاع معدل الوفيات، ولا سيما في البلدان النامية. بعد الركود، تظل معدلات الوفيات مرتفعة لأعوام أطول في البلدان النامية عنها في المتقدمة".
وذكر البنك أن عدد الوفيات غير المباشرة الناجمة عن كوفيد - 19 قد يكون أعلى من الوفيات الناجمة مباشرة عن المرض، حيث ينبغي أن تؤخذ في الحسبان الوفيات الناشئة عن الركود الناجم عن الجائحة، كما أن إهمال الآثار الاقتصادية للوباء يمكن أن يقلل أيضا من عدد الوفيات.
في دراسته ”العلاقة بين الركود والوفيات وكوفيد - 19”، يقول المصرف إن "الركود الناجم عن الوباء سيسجل أشد انكماش اقتصادي عالمي منذ الحرب العالمية الثانية. على الرغم من أن الأنباء الأخيرة عن اللقاحات هي علامة تبعث على الأمل في إمكانية السيطرة على الوباء قريبا، فإن من الثابت أن البلدان التي شهدت انخفاضا أكبر في الناتج المحلي الإجمالي كانت قد شهدت حتى الآن عددا أكبر من الوفيات. كما تظهر الدراسة عن علاقة سلبية واضحة بين البلدان: فكلما كان الركود أعمق، ارتفعت الوفيات الزائدة".
هل يمكن للانكماش الاقتصادي الناجم عن الوباء أن يؤدي إلى ارتفاع عدد الوفيات اليوم وفي الأعوام المقبلة؟ استنادا إلى البيانات التاريخية، قام المصرف بتحليل العلاقة بين الركود والوفيات تجريبيا، ركز على الاختلافات بين الاقتصادات المتقدمة ذات الدخل المرتفع والاقتصادات الناشئة والبلدان النامية ذات الدخل المنخفض. ثم ناقش القنوات التي يمكن أن تؤثر من خلالها فترات الركود على الصحة العامة ومعدل الوفيات. تنتهي الدراسة بالقول: ”هناك تعقيدات للركود على الصحة العامة”.

العلاقة بين الركود والوفيات

لاستكشاف وجود علاقة منهجية بين الركود الاقتصادي والوفيات، استخدم المصرف بيانات تغطي 180 دولة على مدى ستة عقود (1961 - 2018) تحرى خلالها هذه الصلة من زوايا مختلفة، والتناقض بين الاقتصادات المتقدمة والاقتصادات الناشئة والبلدان النامية ذات الدخل المنخفض، وآثار الركود على معدلات الوفيات بشكل عام وكذلك على وفيات الأطفال.
تقول الدراسة، "التقلبات الدورية في معدلات الناتج الاقتصادي والوفيات ترتبط سلبا بمرور الوقت بما يتفق مع الفكرة القائلة إن الوفيات تزداد خلال فترات الركود الاقتصادي. في الوقت نفسه، تتحرك معدلات الوفيات المرتبطة بهبوط الناتج المحلي الإجمالي بعلاقة واضحة مع وفيات الأطفال. وقد ارتفعت معدلات وفيات الأطفال بشكل ملحوظ في أعقاب انخفاض الدخل العالمي، على سبيل المثال في أعقاب الأزمة الآسيوية في منتصف التسعينيات أو في أعقاب الأزمة المالية الكبرى".
تختلف الصلة بين الركود الصريح - يعرف بأعوام النمو السلبي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي - مع معدل الوفيات اختلافا جذريا بين البلدان الأكثر ثراء وأفقر البلدان. تتناقض الأرقام بين متوسط معدلات الوفيات ووفيات الأطفال خلال فترات الركود مع تلك التي تمر بأعوام غير الركود، خاصة بين الاقتصادات المتقدمة ذات الدخل المرتفع والاقتصادات الناشئة والبلدان النامية ذات الدخل المنخفض. ففي حين أن متوسط معدلات الوفيات ترتفع قليلا خلال أعوام الركود في الكيانات الاقتصادية المتقدمة، فإنها تزيد بشكل صارخ خلال فترات الركود في الاقتصادات الناشئة والبلدان النامية.
في الاقتصادات الناشئة والبلدان النامية، هناك تسع وفيات (9.01) لكل ألف شخص في أعوام النمو الإيجابي للناتج المحلي الإجمالي. لكن خلال فترات الركود، يتجاوز معدل الوفيات 12 وفاة (12.42) - بزيادة بمقدار الثلث. في الاقتصادات المتقدمة، يكون الفرق بين وفيات أعوام النمو الإيجابي والركود ضئيل جدا، بل غير محسوس: من 8.75 إلى 8.85 وفاة.
في الاقتصادات الناشئة والبلدان النامية تكون وفيات الأطفال أعلى بكثير عندما ينكمش الاقتصاد: تقفز من 78 وفاة (78.43) في أعوام النمو الإيجابي إلى 110 وفيات (109.67) خلال فترات الركود. أو بزيادة نسبية تتجاوز 40 في المائة. أما في الاقتصادات المتقدمة، يبقى الفرق بين وفيات أعوام النمو الإيجابي والركود ضئيل جدا: من 13.14 إلى 13.40 وفاة.
وقسمت الدراسة الركود إلى ”معتدل” و”عميق”. الركود المعتدل هي الأعوام التي ينخفض فيه الناتج المحلي الإجمالي السنوي في معظمه 2.5 في المائة كحد أعلى. يشير الركود العميق إلى الأعوام التي بلغ فيها الناتج المحلي الإجمالي انكماشا لا يقل عن 2.5 في المائة. تشير الدراسة إلى ارتباط سلبي بين انخفاض الناتج المحلي الإجمالي المتوقع والوفيات المفرطة في 2020.
وتكشف البيانات التاريخية للدراسة أن فترات الركود الأعمق ترتبط بأعلى ارتفاع في معدل الوفيات، وبالعكس. هناك عنصر آخر يحدث فرقا: الوفيات في الاقتصادات الناشئة والبلدان النامية تزيد بقوة أكبر في فترات الركود العميق مقارنة بالركود المعتدلة. متوسط زيادة معدلات الوفيات في هذه البلدان يساوي 3.5 حالة وفاة لكل ألف شخص في أعوام الركود العميق. في المقابل، يقل معدلة عن 2.5 حالة وفاة أثناء الركود المعتدل.
من جديد، هذا النمط يصبح أكثر وضوحا بالنسبة لوفيات الأطفال في الاقتصادات الناشئة والبلدان النامية، التي تزداد 35 وفاة لكل ألف مولود حي خلال فترات الركود العميق، مقارنة بثماني وفيات خلال فترات الركود المعتدل. في الاقتصادات المتقدمة ذات الدخل المرتفع، لا يوجد فرق: في كلا النوعين من الركود، لا تتغير معدلات الوفيات كبيرة.
في زاوية أخرى تتعلق بأمد الأضرار. تسجل الاقتصادات الناشئة والبلدان النامية بعد بداية الركود، معدلات وفيات مرتفعة لعدة أعوام. ترتفع معدلات الوفيات ووفيات الأطفال ارتفاعا حادا في سنة الركود. وتزيد أكثر في العام التالي. ترتفع معدلات الوفيات لمدة أربعة أعوام في المتوسط بعد بداية الركود، بينما تظل معدلات وفيات الأطفال مرتفعة لمدة تصل إلى ستة أعوام. في الاقتصادات المتقدمة الصورة مغايرة: لا تتجه معدلات الوفيات ووفيات الأطفال نحو الارتفاع في الأعوام التي تعقب فترات الركود، بل إنها تنخفض انخفاضا طفيفا في البداية.

طبيعة العلاقة بين الركود والوفيات

ما الآليات التي يمكن أن تفسر الصلة بين فترات الركود والوفيات؟ انخفاض الدخل يؤثر تأثيرا مباشرا في الصحة والوفيات حيث يؤدي إلى سوء التغذية مع عواقب قاتلة محتملة. فقدان الوظائف في الانكماش الاقتصادي يؤدي إلى قلق وجودي ويزيد من المشكلات الصحية المرتبطة بالإجهاد ومعدلات الانتحار. بالمثل، فالنمو الاقتصادي كثيرا ما يدعم الإنفاق العام، ولا سيما على الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية.
وتقول الدراسة إن الآثار المباشرة الضارة للركود على الصحة لها علاقة خاصة مع البلدان الأكثر فقرا، حيث الدخول في كثير من الأحيان قريبة من مستويات الكفاف ونظم الرعاية الصحية غير متطورة. تؤكد أن الانكماش الاقتصادي يلحق مزيدا من الضرر بالأطفال أضعف شريحة في المجتمع، حيث يحتاج الآباء إلى تقليص جوانب رعاية الطفل مثل التغذية والرعاية الصحية. وقد تضطر الحكومات إلى الحد من توفير الرعاية الطبية، ما يؤثر في الأطفال على وجه الخصوص. على النقيض من ذلك، فالاحتياطيات المالية التي تقدمها الدولة تحمي إلى حد كبير مستويات معيشة الأفراد أثناء فترات الركود الاقتصادي في الاقتصادات الأكثر ثراء، حيث نظم الرعاية الصحية ممولة بشكل أفضل، ما يزيد من تخفيف الآثار المباشرة للركود في الصحة.

الأكثر قراءة