Author

نقاش حول توطين وظيفة مساعد قائد الطائرة

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
خلال الأسبوع الماضي أعلنت المؤسسة العامة للخطوط الجوية العربية السعودية الانتهاء من توطين وظيفة "مساعد قائد الطائرة" بنسبة بلغت 100 في المائة، وهذا إعلان في غاية الأهمية، شكلا وموضوعا، وهذا ليس خبرا عاديا أو عابرا، أو مجرد إنجاز لشركة وطنية مهمة، بل إن عباراته أشد أهمية من حقيقته، هنا مناقشة جادة لهذه العبارات التي أتمنى أنها تعني مقاصدها فعلا وليس مجرد إعلان تمت صياغته بشكل جيد. وإذا كان التوطين مهما للمجتمع بشكل لا يقبل النقاش ولا الجدل، خاصة مع ارتفاع مستويات البطالة خصوصا في ظل جائحة كورونا، فإن خبرا بمثل هذه القوة يجعلنا نتفاءل جميعا بشأن حل هذه المشكلة جذريا في المستقبل، ذلك أن الإعلان يدل على أن العمل جاد فعلا نحو معالجتها. وللحقيقة فإن كلمة التوطين قد جاءت بديلا عن عبارة السعودة التي فقدت جميع معانيها واستنفدت قيمتها، ورغم أن كلمة التوطين لا تدل في مضامينها على أكثر مما كانت تشير إليه كلمة السعودة، إلا أنها أصبحت تعني أن هناك مشروعا وطنيا جديدا غير الذي كان من قبل، ومع ذلك فإن كلمة التوطين عادت لتقع في الفخ نفسه الذي وقعت فيها كلمة السعودة، حيث كانت كلمة السعودة ترتبط بالنسب وبمحال الخضار، ومكاتب العقار، وقد أصبحت كلمة التوطين لا تعني اليوم أكثر من نسب ومحال البقالة، وبعض التجزئة، لكنها حتى لم تعطنا معنى حقيقيا بشأن وظائف الشركات التي تقدم كثيرا من التدريب والخبرة وهي تمثل الاقتصاد الوطني بكل معانيه، لهذا عندما قرأت كلمة التوطين في جملة "الخطوط الجوية العربية السعودية" شعرت بأن كلمة التوطين قد تخلصت في هذا الإعلان بالذات من فخ كلمة السعودة، وأصبحت فعلا تمنحنا كثيرا من الثقة بالمرحلة المقبلة، خاصة أن هذه الكلمة لم ترتبط بنسب أو قطاع، بل ارتبطت بوظيفة محددة ومهنة مهمة جدا تغذي طموح الشباب السعودي تماما، فهي وظيفة مساعد قائد الطائرة.
ليس هذا هو فقط ما جعل هذا الإعلان غنيا بالمعنى الذي طالما افتقدناه في مشاريع السعودة والتوطين، بل إن الإعلان تضمن عبارة "الانتهاء من توطين وظيفة"، وهذه العبارة يجب الوقوف عندها كثيرا، فكلمة الانتهاء توحي بأن الموضوع كانت له بداية وخطة تنفيذية ومشروع استراتيجي وبما أنه مشروع فإن له مدير مشروع أيضا، وله أهداف واضحة ومحددة ومواعيد تسليم، وهي التي وصفت بالانتهاء، فهذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها وأقرأ عن مشروع توطين حقيقي لوظيفة محددة موصوفة في شركة وطنية كبرى، وهذا جعلني أحترم كل من عمل على هذا الموضوع، فالمسألة أخذت حقها من الجدية، والتخطيط الاستراتيجي وبالتأكيد المتابعة والرقابة والحوكمة، وقد يكون الأمر جزئيا له علاقة بنوع الوظيفة فهي وظيفة مهمة تتعلق بسير وأمن الطائرات، بل مستقبل "الخطوط السعودية" بأكمله، لكن العمل انطلق وفق خطط ثم تم تنفيذه، وهذا بالتأكيد تطلب الاستقطاب والتدريب والتوظيف، وكل هذا كان له وقته وخططه، وانتهى بهذا النجاح الكبير من قبل المؤسسة في توطين الوظيفة. فالمسألة لم تكن مجرد شعار، أو مبادرة فارغة، ليست لها أرضية صلبة في شكل مشروع له موارده كأي مشروع من مشاريع المؤسسة، مثله في الأهمية مثل مشروع شراء طائرات أو تدشين مبان، مشروع استثمار حقيقي سيكون له مردود كبير على الشركة في المستقبل.
لقد ضربت "الخطوط السعودية" مثالا يجب ألا يمر مرور الكرام بل يجب الاحتفاء به بشكل وطني، وتقوم وزارة الموارد البشرية بتعميم التجربة، ليس هذا فقط بل يتم إجبار الشركات السعودية الكبرى، وهنا كما أعرف، أكثر من ألف شركة سعودية تصنف كبرى، ولها نصيب كبير من الاقتصاد السعودي، فعلى هذه الشركات أن تقدم للوزارة خطة استراتيجية لتوطين وظائف محددة وموصوفة بشكل دقيق مثلما حددتها ووصفتها "الخطوط السعودية" بعبارة "مساعد قائد الطائرة"، فنحن لا نريد عبارات واسعة مثل توطين قطاع كذا، أو رفع نسبة التوطين في شركة كذا إلى نسبة كذا، ذلك أن هذه التجربة أثبتت عدم فاعليتها في توطين الشباب في وظائف تحقق لهم طموحاتهم وتجعلهم قياديين في المستقبل، فلا نريد بعد الآن مشاريع توطين تقاس بالنسب، بل بالوظيفة المحددة والموصوفة، فتوطين النسب قد مكن الشركات من تجنب المناصب القيادية وتحقيق النسب في وظائف صغيرة هامشية، ما منع الشباب السعودي من الدخول حقيقة في النشاط الاقتصادي وفهمه والعمل على تنمية مهاراتهم فيه. هذه النقطة الثالثة التي تجعل إعلان "الخطوط السعودية" مميزا بكل تفاصيله فهي وضعت وظيفة محددة وموصوفة ضمن هدف التوطين، وظيفة مهمة وقيادية، وظيفة تحقق طموح الشباب، ثم عملت على هذا بتركيز شديد حتى استطاعت أن تحقق لنا وللمجتمع هذا الإنجاز بتوطين 100 في المائة فيها، والمستقبل يحمل لنا كثيرا بشأن باقي الوظائف في هذه الشركة الرائدة. وإذا ضربنا الأمثال، فإن "الخطوط السعودية" اليوم تتمتع بمزايا كبيرة من أهمها وجود شركات تابعة مثل شركات الخدمات الأرضية وفيها عديد من الوظائف التي يمكن توطينها بالأسلوب نفسه، وهنا شركات أخرى كثيرة في المجال نفسه مثل شركة ناس للطيران وشركات الطيران الخاص، ثم إذا ذهبت لقطاع التعليم ستجد عديدا من الوظائف المهمة التي يمكن توطينها، وفي الشركات الطبية ما لا حصر له، وكل ما نحتاج إليه الآن هو تعميم نموذج "الخطوط السعودية" وأن يكون صندوق الموارد البشرية شريكا استراتيجيا في ذلك.
إنشرها