Author

نظرة على ظروف ميزانية 2020 وصحة المواطن والتحديات الاقتصادية وأداء الاقتصاد المحلي

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

بلغ إجمالي الإيرادات 770 مليار ريال، والمصروفات 1,068مليار ريال مع دين عام 854 مليار ريال لعام 2020، نلاحظ أن نسبة العجز في 2020 أقل من المتوسط أعوام المقارنة على الرغم من الظروف الاقتصادية التي مرت على البلاد بسبب تراجع أسعار النفط وإغلاق الاقتصاد خلال فترة الجائحة وما تبعها من مصروفات إضافية لتخفيف آثار الجائحة على القطاع الخاص وعلى القوى العاملة التي فقدت وظائفها خلال فترة الإغلاق الاقتصادي، كما أن الإجراءات الاحترازية والسياسات التحفيزية كان لها تأثير في إيرادات المالية العامة، التي شملت الإعفاءات وتأجيل سداد الرسوم والضرائب، وهو ما دفع صناع القرار الاقتصادي إلى رفع نسبة الضريبة المضافة من 5 في المائة إلى 15 في المائة من يوليو 2020، إضافة إلى استخدام الرسوم الجمركية لرفع الإيرادات العامة من خلال تحريك نسب رسوم بعض السلع، وفي الوقت ذاته كان هناك إجراءات أعمق، مثل إيقاف بدل غلاء المعيشة لتخفيف عبء المصروفات للتعامل مع الظروف الاقتصادية غير المتوقعة.
إن إدارة متغيرات المالية العامة من خلال تقديرات مخاطر الظروف الاستثنائية وتحقيق الاستدامة والاستقرار المالي، جعل الحكومة تستخدم تلك الأدوات مالية عبر إجراءات إضافية لضمان تجاوز المرحلة الحالية ومواصلة تحقيق المستهدفات المرسومة في "الرؤية 2030"، ولا سيما في ظل تراجع أسعار النفط الخام، الذي يعد المصدر الأساسي في تمويل الميزانية.
وبالنظر إلى أداء الاقتصاد المحلي، حققت في بداية العام أداء جيدا ومعدل نمو في الناتج غير النفطي 1.6 في المائة مدعوما بنمو القطاع الخاص 1.4 في المائة، إلا أن الاقتصاد المحلي تأثر بجائحة كوفيد - 19 وما أعقبها من إجراءات لها الأثر البالغ في معدل النمو بسبب إغلاق الاقتصاد، من خلال المنع الكلي أو الجزئي على المستهلكين لمنع انتشار الوباء، ولا سيما أننا لم نشهد أي ظروف صحية مماثلة على مدى العقود العشرة الماضية، كما أن إغلاق الطيران على المستويين الداخلي والخارجي وفرض قيود احترازية صحية على حركة النقل، جعل القطاع الخاص يسجل انكماشا حادا 10 في المائة، لذا تدخلت الحكومة بحزمة تحفيز متنوعة ممولة من الميزانية العامة، وهو ما نراه في الرأي الاقتصادي بأن يعكس لياقة المالية العامة لمواجهة الظروف الاستثنائية دون المساس بجودة الصحة والدخل الأساسي للمواطنين أو بحزام الضمان الاجتماعي من خلال أي تخفيضات في الحساب الجاري لهذا النوع من المصروفات الضرورية، بما في ذلك حماية المتعطلين من خلال برنامج "ساند".
ولعل أكبر مؤشر على صحة وسلامة الإجراءات المالية، تحسن جميع المؤشرات النقدية في البنك المركزي والمصارف التجارية، ولا سيما أن الحكومة عززت ميزانية 2020 لتصل بعد الدعم الإضافي إلى 1,068 مليار ريال عن مستوى الموازنة المتعمدة بداية العام 1,020 مليار ريال، كما أن الحكومة لم تتوقف عن سداد مستحقات القطاع الخاص لتحقق بذلك تيارا نقديا للقطاع الخاص ليواصل الصمود في وقت الأزمة.
نظرة على الأداء النقدي للاقتصاد
تلقي الاحداث الاقتصادية لعام 2020م بظلالها على توقعات عام 2021م من النواحي الاقتصادية إلا أن النواحي المالية سيكون لها آثار تبعية للأداء الاقتصادي على المدى المتوسط وفق النظرة التحليلية التقليدية إلا أن الاقتصادي السعودي سجل أرقام قياسية جديدة في زمن المصاعب على مستوى الأداء النقدي، لذا وقبل البدء في تحليل أداء الميزانية لعام 2020م وتحليل موازنة 2021م علينا إلقاء نظر على الأداء النقدي على مستوى البلاد، سجلت السيولة النقدية في الاقتصادي السعودي أو ما يعرف بالعرض النقدي (ن3) في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر 2020م مبلغ 2.145 تريليون ريال ويعد مستوى قياسي جديد وفي الوقت نفسه يشكل ثاني رقم قياسي يسجل خلال الفترات القليلة الماضية.
يتمتع الاقتصادي السعودي حاليا بأهم عناصر مقاومة الدورات الاقتصادية الانكماشية التي تشهدها معظم الاقتصاديات حول العالم وهما (1) وفرة السيولة النقدية العالية في الاقتصاد (2) معدل فائدة منخفض، وتشكلان نسبة السيولة ومعدلات الفائدة، أهم أدوات معالجة المتلازمات السلبية في مثل هذه الظروف الاقتصادية كتحسين معدلات البطالة وتخفيف وطأة التراجع النمو الاقتصادي وآثاره الانكماشية والمحافظة على مستوى معيشة عام مرتفع.
عند استعراض موجودات البنك المركزي السعودي، فإنه يمتلك استثمارات في أوراق مالية في الخارج بلغت 1,091 تريليون ريال بنهاية أكتوبر الماضي 2020، إضافة إلى ودائع موجودة في مصارف في الخارج بلغت 311 مليار ريال، وبذلك نرى أن موقف المركز المالي للبنك المركزي يمتلك أداء نقديا عاليا بإجمالي موجودات 1,821 تريليونا بنهاية أكتوبر الماضي.
بعد استعراض صلابة الوضع النقدي للبلاد، يمكننا الحديث عن أداء الميزانية العامة والمالية العامة في ضوء الموازنة التخطيطية لعام 2021 وميزانية 2020 الفعلية، ولا سيما أن الأداء النقدي والمالية العامة وجهان لعملة واحدة ولا يمكن الفصل بينهما عند أي قراءة اقتصادية عميقة وشاملة. وتجدر الإشارة إلى أن الأداء النقدي حافظ على التصنيف الائتماني للسعودية مرتفعا، كما حافظت المملكة على احتياطيات أجنبية بين الخمس الكبار في مجموعة العشرين بإجمالي أصول احتياطية 447 مليار دولار.

قراءة في موازنة 2021 وتطلعات المستقبل
أقر مجلس الوزراء موازنة الدولة لعام 2021، وتضمنت بنودها مستويات لا تزال مرتفعة على مستوى الإنفاق العام والمصروفات، حيث قدرت الإيرادات 849 مليار ريال، والمصروفات 990 مليار ريال، وعجز مقدر بـ141 مليار ريال، إضافة إلى استخدام أدوات تمويل الميزانية من الاحتياطي العام والقروض الداخلية والخارجية، كما أن الدين العام سيواصل نموه إلى 937 مليار ريال بحسب المخطط له.
ويمكننا معرفة تكافؤ حجم المصروفات مع الأعوام السابقة ولمدة خمسة أعوام منذ عام 2016، حيث سجلت متوسطات الأعوام الخمسة للمصروفات 993.4 مليار ريال، ومتوسط الإيرادات للفترة نفسها 762.8 مليار ريال، وبمتوسط عجز 230 مليار ريال للفترة نفسها، وفي هذا السياق لا نزال في حدود إنفاق وإيراد قريبة من المعدلات الماضية، أي أننا نتمتع بميزانية منخفضة التقلبات والفجوات المؤثرة في الاقتصاد إذا ما استحضرنا الحالة الاقتصادية التي يعيشها العالم بسبب هشاشة النمو الاقتصادي، ولا سيما ما قبل الجائحة والإغلاقات التي طالت الاقتصادات مع كوفيد - 19.
هناك أمل في انفراج اقتصادي عالمي بعد الوصول إلى لقاحات، الذي بدوره سينعكس على عودة النمو الاقتصادي المكبوت خلال 2020، ولاسيما أن أسعار النفط والطلب عليها يتسارع مع رجوع الاقتصادات إلى النمو مرة أخرى.
والجدير بالذكر أن اقتصاد يتوافر فيه سيولة عالية ومعدل فائدة منخفض، سيكون قادرا على تحمل صدمة إغلاق الاقتصاد، وكلها بفضل الله توافرت في اقتصادنا لعام 2020، بل حقق الاقتصاد رقما قياسيا جديد السيولة النقدية.
أخيرا، جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين، لتؤكد مواصلة تمويل المشاريع الرأسمالية ومواصلة كفاءة الإنفاق مع الاستمرار في تنفيذ برامج الرؤية، وجميعها تفتح الآفاق أمام الاقتصاد السعودي للعودة إلى مواصلة النمو وتحقيق نتائج اقتصادية إيجابية للناتج المحلي والمستهدفة بنمو 3.2 في المائة و بـ2.8 تريليون ريال، مع مواصلة الإنفاق التفضيلي لحساب التعليم بـ186 مليار ريال، والصحة والتنمية الاجتماعية بـ175 مليارا، والقطاع العسكري بقيمة مماثلة.
إنشرها