Author

الوجه الآخر لتطبيقات الاقتصاد التشاركي

|
التقدم التقني الحاصل في العالم، أفرز لنا نماذج أعمال جديدة تعتمد على التقنية في تقديم خدماتها. وأصبحت السلع والمنتجات في حاجة إلى الاستفادة من هذه الخدمات التواصلية للوصول إلى شريحة من السوق أو المحافظة على العملاء. خدمات التسوق وتوصيل الطلبات ونقل الركاب وغيرها من التطبيقات الحديثة التي انتشرت وذاعت في الآونة الأخيرة، نتيجة للتقدم التقني الكبير الذي يعيشه العالم، وتوافر البنى التحتية الداعمة من أنظمة اتصالات، وشبكات الإنترنت، والأجهزة الحديثة، وترويج مواقع التواصل الاجتماعي والمشاهير.
نموذج العمل لهذه المشاريع لا يعتمد على منتجات ملموسة، وإنما يقتصر على خدمات لوجستية تتمثل في إيجاد المنصة الإلكترونية لتسهيل نقل السلع والبضائع من موقع البائع إلى موقع المستفيد، مستفيدة من التقنيات المستخدمة، وفي كثير من الأحيان حتى أصول هذه الشركات تأتي بالمشاركة من خلال العاملين "الذين يملكون سياراتهم الخاصة"، وفق نظرية الاقتصاد التشاركي الذي بدأ بالظهور منذ مطلع القرن الـ 21، متأثرا بأنظمة العمل الجديدة التي جاءت نتيجة لتطور التقنيات الاجتماعية والحاجة إلى مواجهة النمو السكاني العالمي المطرد واستنزاف الموارد، الذي قد يؤثر في قدرة الحياة مستقبلا. أسهمت تقنية المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي والنمو السكاني في ظهور مؤسسات ومنشآت الاقتصاد التشاركي. حيث ظهرت التقنيات الحديثة حيز التفعيل، ما سهل التعاملات المباشرة لشبكات الأفراد والمؤسسات، وسهل ذلك وجود البيانات المفتوحة والضخمة، وانخفاض تكلفة الهواتف المحمولة، وازدهار وسائل التواصل الاجتماعي وشبكاتها.
أصبحت تطبيقات الاقتصاد التشاركي من أهم مشاريع الجذب لرؤوس الأموال، لسهولة نموذج العمل، والعوائد المتحققة منها. لكن هذه التطبيقات ذات بعد استراتيجي وأمني مهم يجب ألا يتم إغفاله من حيث قدرتها على الحصول على كم هائل من البيانات التي تعكس حياة المجتمع. ويمكن أن تسهم بالسلب أو الإيجاب في دراسات المجتمع والتأثير فيه أو التنبؤ باتجاهات المستقبل الثقافية والصحية والاقتصادية.
الجانب المظلم الأهم في هذا المقال لهذه التطبيقات أنها تعتمد في تحقيق عوائدها المالية من طرفي المعاملة التجارية، حيث يدفع المستفيد من الخدمة ثمنا ليس بقليل، وتستقطع التطبيقات من المنتجين وملاك السلع نسبة أيضا ليست قليلة وفي كثير من الأحيان لا تقل عن 15 في المائة من ثمن العملية. وتشترك هذه التطبيقات مع العاملين الفعليين في الميدان في اقتطاع نسبة كبيرة من دخلهم، مع عدم تحمل ما يوازيها من المخاطر. هذه التطبيقات أصبحت تهدد استمرارية بعض تلك المشاريع لأنها تقتطع جزءا كبيرا من الدخل كان في الماضي يغطي هامش الربح الآمن، وفي المقابل رفع الأسعار ليس في مصلحة البائعين.
لا شك أن هذه التطبيقات تقدم خدمات جيدة تحتاج إليها شريحة من المجتمع، وتفتح المجال أمام شريحة أخرى من المستفيدين لتحسين دخلهم والعمل بشكل حر وإضافي، إلا أنه أحيانا نرى أن هذه التطبيقات فتحت مجالا كبيرا لعمل الوافدين بطريقة غير مشروعة. ولهذا أرى أن الجهة المشرفة على هذا النشاط في حاجة إلى إعداد مزيد من التشريعات والتنظيمات التي تحافظ على حقوق جميع أصحاب المصالح، والعمل على حوكمة هذا القطاع حتى نضمن الاستفادة منه، وحماية العاملين فيه والمنشآت المقدمة للسلع بطريقة تسهم في استدامة أعمالهم وعدم التأثر بهذه التقنيات. وهنا لا بد من تضافر جهود جميع الجهات ذات العلاقة ولا يترك الأمر لجهة لتنوب عن طيف من الجهات ذات الارتباط.
إنشرها