Author

التنفيذيون الشباب بين الجدارة والاستحقاق

|
هناك اتجاه تصاعدي واضح لحصول السعوديين على مزيد من الوظائف القيادية في القطاع الخاص. وهذا الأمر لا يرتبط بالأعوام القليلة الفائتة فقط، وإنما كان على مراحل خلال العقود الماضية، لكن الخمسة أعوام الأخيرة كانت أميز تلك المراحل وأكثرها نشاطا. تتعدد الأسباب، لكن من الواضح أن الابتعاث الخارجي وتعدد خيارات الدراسة داخليا وتنوعها أسهما في تجهيز قدر كبير من هذه الكفاءات بجودة مختلفة. وإلى جانب التعليم، تحسنت كذلك الفرص التأهيلية والتدريبية سواء تلك الناتجة عن الخبرات المباشرة في القطاع الخاص، أو التأهيل المهني المنظم في بعض المهن. وبلا شك، أسهمت التنظيميات أيضا في تصاعد هذا الاتجاه، خصوصا تدفق الأنظمة واللوائح التي تطلب تطورا مشابها في الجدارات والإمكانات، وما رافقها من متطلبات الجهات التي دعمت باتجاه توطين الوظائف القيادية.
يشكل هذا الاتجاه التصاعدي فرصة كبيرة لأصحاب الكفاءات، وربما تكون فرصة لا تعوض تاريخيا على مدى المسار المهني المحتمل لكل مجد ومجتهد. وبعيدا عن المسببات التي غيرت شكل العرض والطلب في سوق الوظائف التنفيذية، يتساءل البعض، هل يستحق هؤلاء التنفيذيون الذي يحظون بفرص القيادة التنفيذية ذلك؟ وهل فعلا يستطيعون تحمل مسؤولياتها؟ التعامل مع هذا التساؤل بطريقة إيجابية لن يشكك في أي قرار يقوم على الثقة التي توضع في القيادي الشاب، وإنما يستند إلى المتطلبات الواجب أخذها في الحسبان ليكون الجواب: "نعم، يستحق ذلك، وبه يحصل الانتقال للتوطين المؤثر والمنشود". لا يختلف أحد على جدوى التركيز على توطين القيادات أو قيمة البرامج التي تطلقها الجهات المسؤولة، أو أهمية تفاعل القطاع الخاص مع هذا التوجه. لكن السؤال، ماذا يجب أن يفعل الشباب ليرتقي إلى هذا الموضع الذي يخدم به وطنه ومجتمعه بالشكل المطلوب؟ ماذا يجب أن يعمل كي لا يصبح موطن ضعف بعد أن تيسرت له فرصة التأثير؟
لا يغيب عن المجتهدين من الشباب أن التخطيط المهني لمسار متزن ومتصاعد ليس بالأمر السهل. وجود الفرص الكثيرة والمتنوعة في شتى التخصصات والمجالات لا يعني أن المسألة تخلو من التحديات. وكي تبنى الجدارة ويحصل الاستحقاق وتدار المخاطر المرافقة لذلك بالشكل المطلوب، فالأمر يتطلب جهدا مضاعفا على أكثر من صعيد. خصوصا، في تحصيل مردود أكبر من المهارات والقدرات خلال وقت أقل من المعتاد. فالتنفيذي الذي يبني نفسه بشكل تقليدي في المجتمعات الأخرى ربما يأخذ عقدين أو أكثر ليحقق ذلك، وهذا يعني تراكم عدد كبير من الخبرات النوعية والتجارب المختلفة التي تصقل مهاراته وتشذبها على نار هادئة. بينما الوضع هنا يتحقق بشكل أسرع كثيرا، من الطبيعي اليوم أن تجد فريقا من القياديين في الإدارة الوسطى والعليا وأعمارهم أقل من المتوسط، ولو كانت خبراتهم معقولة، فخبراتهم كقياديين ستكون محدودة في العادة. وهذا يعني أن الكفاءة والمقدرة هنا لن تكون مجرد تحصيل لأمر حاصل، وإنما هي أمر يتطلب جهدا مضاعفا واستثنائيا.
الجواب الذي يصنع الفارق لهذه المسألة المهمة ليس في سرد قائمة المهارات التي يتوقع أن يحوزها القيادي، سواء كانت ترتبط بإدارة الذات والتنظيم، أو إدارة الآخرين والعواطف، أو إدارة التغيير والتواصل. وإنما في الاستراتيجية الشخصية للبناء المستمر والمسرع لحيازة هذه المهارات، وهنا نتحدث عن باقة ثانية من المهارات المرتبطة بالتعلم والملاحظة واستخدام نتائج ذلك في التوقيت المناسب. ولأن المسألة مرتبطة بتحقيق النتائج في حيز زمني ضيق سنجد أن التزامن مسألة مؤثرة بشكل استثنائي، تتطلب بناء استثنائيا للقدرات، معجلا، ومركزا ونوعيا. وهذا يعني وجود مصادر متاحة تحت الطلب لنقل المعرفة والحكمة، مثل المرشدين والموجهين، وهذا يعني كذلك القدرة على استخدام الملاحظة كأسلوب للتعلم، وأعني الاستنباط والقراءة العميقة والتدوين المنظم. وهذا يعني كذلك الوصول إلى مصادر أفضل الممارسات بشكل سهل وملائم، فأفضل الممارسات ليست نصائح يتداولها زملاء العمل في حالة هذا القيادي، وإنما ممارسات موجودة في أماكن أخرى تتطلب البحث والاستكشاف، ثم الاستقطاب بعد ذلك. وهذا يعني كذلك، الظهور بمظهر القيادي الحقيقي، والعمل على عكس التصورات المشككة بالنتائج والأفعال.
من الضروري كذلك أن يعي الشاب المخاطر المرتبطة بهذا التسريع الجذاب في المسار المهني والآثار الجانبية المحتملة له. مخاطر الخطأ في بيئة محدودة الخبرة على المستوى الشخصي ومستوى الزملاء كذلك أكبر من المعتاد، وقد يكون الخطأ هنا نتيجة لسوء الحكم وقد يكون نتيجة للإهمال الجسيم، وهذا يعني أن القيادي قد يتعرض للتحقيق أو الإدانة حتى لو حسنت نيته، والنظام اليوم لا يحمي من لا يقوم بدوره على الوجه المطلوب، وقطعا غياب الخبرة الطويلة لن يكون عذرا مقبولا أمام القاضي أو المتظلم. ومن المخاطر الأخرى كذلك الاحتراق المهني المبكر، سواء الذي يكون نتيجة لانعدام التوازن بين العمل والأسرة أو للوقوع في مأزق المسؤولية في وقت مبكر جدا عمريا. لهذا من أساليب التأمين الذاتي التي تقلل هذه المخاطر وتوازن بين الجدارة والاستحقاق أن يجهز القيادي نفسه للعمل في أكثر من مسار، ويتخذ كل ما يمكن القيام به للتقليل من مخاطر الفشل الذي يمكن تفاديه، ويجعل تخطيطه المالي متسقا مع تطوره المهني والوظيفي، ويرسم أسلوبا للتوازن الحياتي يمده بالطاقة والحيوية ويمد من حوله بذلك. هذه المجهودات الإضافية عبارة عن عوض إلزامي مقدم لكل عام من عمره كسبه بمنصبه المبكر.
إنشرها