Author

هل تتغير العادات وتتطورمع التغير الثقافي؟

|
شهدت المملكة العربية السعودية نهضة هائلة خلال العقود الماضية في جميع المجالات العمرانية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية وغيرها، وازدادت وتيرة التطور والتغيير بشكل ملحوظ مع تطبيق "رؤية المملكة 2030" الطموحة وبرامجها ومستهدفاتها التي ستنقل المجتمع السعودي إلى مصاف الدول المتقدمة بإذن الله. هذه النهضة يواكبها تغير اجتماعي وثقافي كبير لا يستثني، بل لا ينبغي أن يستثني، بعض العادات والتقاليد التي أصبحت لا تتناسب مع المرحلة، ولا تواكب المستوى المعيشي الذي يتمتع به المواطن السعودي.
وعلى الرغم من عدم وجود تعريف مانع قاطع للثقافة Culture، فإنها لا تخرج كثيرا عن كونها مجموعة القيم والأفكار والمواقف والرموز المشتركة والمكتسبة اجتماعيا التي تنتقل من جيل إلى آخر، وتحدد السلوك البشري وتقف خلف سلوكيات الناس، المناسب منها وغير المناسب. وتؤثر هذه المكونات بعمومها في الإنسان الذي ينتمي إليها في لغته، وملبسه، ومأكله، ومعتقداته الدينية، وعلاقاته الاجتماعية التي تشمل تركيبة الأسرة وعادات الزواج والعمل ونحوها، ومن المؤكد أن الثقافة تراكمية بطبيعتها يضاف إليها كثير من العادات ويتم فقدان بعضها الآخر، فهي كالشجرة التي تنمو وتتشكل وتفقد بعض الأوراق والأغصان خلال عملية النمو، والتغيرات الثقافية تولد حاجات جديدة، وهكذا، فالثقافة كالكائن الحي الذي يموت ويفنى إذا لم يتغير وينمو ويتطور!
والتغير الثقافي يحدث تحت تأثير عديد من العوامل الداخلية والخارجية، المادية وغير المادية، مثل التواصل مع الثقافات الأخرى من خلال وسائل الإعلام أو بتأثير الهجرات البشرية بين أرجاء المعمورة، وكذلك الاختراعات وما ينتج عنها من تغيرات تقنية تنعكس على أنماط حياة الإنسان، إلى جانب العوامل الجغرافية والإيكولوجية كالمناخ والارتفاع عن مستوى سطح البحر ومجاورة المسطحات المائية، إضافة إلى التغيرات الثقافية الداخلية نتيجة السياسات والأنظمة والاتجاهات الاجتماعية. وفي الغالب يتبنى المجتمع بعض العادات الجديدة إذا كانت ضرورية ومفيدة ولا تصطدم مع عادات قائمة. فعلى سبيل المثال، كان لبس "البنطال" من السلوكيات المرفوضة في مجتمعنا، لكنه أصبح مستساغا ومقبولا لدى كثير من فئات المجتمع، وكذلك الحال بالنسبة لدعوة الضيوف في المطاعم والمقاهي التي أصبحت شائعة بعدما كانت غير مقبولة ولا تعكس الحفاوة المتوقعة لدى الضيوف. ومن الملاحظ أن الأزمات - أيضا - تسهم في التغير الثقافي، ولعل جائحة كورونا كوفيد - 19 هي الأقرب إلى الأذهان، أحدثت تغييرات كثيرة في عادات المجتمع وتقاليده، مثل طريقة استقبال الضيوف، وأسلوب التحية بين الناس، إضافة إلى عادات الأكل والتعامل مع الغذاء. ولا يقل عن ذلك أهمية المسافة الشخصية Personal space التي تختلف بين الثقافات، ففي الثقافات العربية خصوصا، والشرق أوسطية عموما، تأخذ المسافة الشخصية حيزا صغيرا حول الإنسان يشعر بعدم الارتياح عند انتهاكه من قبل الآخرين، في حين أن هذه المسافة أو المساحة تتمدد في الثقافات الغربية، ولكن فيروس كوفيد - 19 أحدث تغييرا في المسافة الشخصية بين الناس في جميع المجتمعات بما فيها العربية!
ونتيجة للتغير الاجتماعي الذي يمر به مجتمعنا، فإن هناك أصواتا كثيرة تدعو إلى التخلي عن بعض العادات التي عفى عليها الزمن، وانتفت مبررات وجودها، مثل المبالغة في المصافحة والتقبيل والعناق أثناء السلام والتحية بين الرجال عموما، وفي احتفالات الأعراس خصوصا، وكذلك المبالغة في الولائم والاحتفالات العائلية، وتقطيع اللحم باليد ثم توزيعه على الضيوف.
في الختام، أتمنى أن يعيد المجتمع النظر في كثير من العادات التي ليس لها أساس شرعي، وأصبحت تتنافى مع المرحلة الحضارية التي يمر بها المجتمع، وفي الوقت نفسه سببا في هدر الأموال أو تعريض الناس للعدوى بالأمراض!
إنشرها