Author

حوكمة توزيع الألقاب المهنية في المؤسسات الحكومية

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى

الحوكمة ليست تنظيرا وليست مجرد إطار وقواعد، بل هي روح تتغلغل في مفاصل المنشآت بأشكالها كافة، وكلما كانت تطبيقات الحوكمة دقيقة وكان إطارها صحيحا تماما، فإنها تنعكس على مظهر المنشأة الخارجي، وهذا المظهر في العادة هو الهيكل التنظيمي، فالهيكل التنظيمي هو مرآة الحوكمة الأساسية، فالهياكل التنظيمية لم تعد مجرد مفهوم من ضمن مفاهيم التنظيم الإداري، ولم تعد نظرية المنظمة وعقودها قادرة وحدها على تقديم تفسيرات كافية لهذا الهيكل. في المقابل، فإن الحوكمة تقدم تفسيرات جديدة للعلاقات الاقتصادية والتعاقدية التي تنعكس على اللوائح والأنظمة، والإجراءات الداخلية. وإذا كانت الحوكمة انعكاسا لنظريات أعمق من مثل نظرية الوكالة، وهذه النقطة جوهرية جدا، فوجود المدير في المنشأة هو انعكاس لتلك العلاقة بين الوكيل والموكل، فإذا ظهر مسمى مدير عام في الهيكل التنظيمي، فإن ذلك يعني بكل وضوح أن هناك علاقة وكيل وموكل، وبالتالي يجب أن يكون هناك وضوح آلية لضمان أن يكون قرار المدير لمصلحة الموكل، وهنا تظهر في الهياكل التنظيمية مجالس عليا تمثل أصحاب المصلحة، وهي في الأغلب مجلس إدارة، كما تظهر خطوط الدفاع الثلاثة بوضوح في الهيكل من خلال وجود لجان المجلس، وأيضا المراجعة الداخلية، وكذلك إدارة المخاطر، إضافة إلى وضوح خطوط القرار التي توضح مستوياته والتفويض المحتمل، وأيضا يجب أن يكون كل قرار مرتبطا بهدف، وبالتالي تظهر توزيعات المناصب في الهيكل انعكاسا للأهداف، إضافة إلى الفصل بين القرار الذي يتعلق بالموارد والقرار المتعلق بالأهداف، ويكون هناك فصل واضح بين كل هذه القضايا. كل هذا يعطينا تصورا واضحا للغاية بأنه يجب أن تكون المسميات الوظيفية في الهيكل التنظيمي انعكاسا واضحا وصحيحا لكل العلاقات الاقتصادية والحوكمة والأنظمة واللوائح.
مع الأسف، من بين تلك الملاحظات، التي بدأت تظهر على السطح، التوزيع المجاني للألقاب المهنية في الهياكل التنظيمية بشكل لا يعكس حقيقة العلاقات الاقتصادية ولا حقيقة الحوكمة ولا طبيعة المنشأة، فإذا كان نظام الشركة أو تنظيم الهيئة أو المؤسسة العام ينص صراحة على وجود مدير تنفيذي، فإنك تجده في الهيكل التنظيمي تحت مسمى رئيس تنفيذي، وكأنه لا يوجد فرق بين المنصبين بأي شكل، وفي جهات أخرى تجد النظام ينص صراحة على وجود مدير تنفيذي فقط، بينما تجد في الهيكل رئيسا تنفيذيا ويرتبط به مديرون تنفيذيون، وهذا يخلط الأوراق بشكل خطير في مفاهيم الحوكمة، ذلك أن وجود رئيس تنفيذي ويرتبط به مديرون تنفيذيون يعني أن هناك مجلس مديرين ولا بد من علاقات تعاقدية واضحة في النظام تبرر وجود مثل هذا المجلس، كأن تكون الشركة عائلة مثلا، لكن من الصعب فهم وجود مثل هذا المجلس في مؤسسات حكومية حتى لو وجد عمليا، فإن صلاحياته لن تكون نظامية، وإذا وصلنا إلى هذه النقطة، فإن السؤال الكبير هو من منح الحق للجهات أن تضع ضمن هيكلها النظامي مسميات مثل مدير تنفيذي ورئيس تنفيذي بينما لا يقدم النظام ولا مصفوفة الصلاحيات مثل هذه المسميات؟ هنا تصعب علينا المساءلة ويصعب علينا تطبيق أطر حوكمة صحيحة.
وهكذا، فإن المسميات الإدارية في الهياكل التنظيمية ليست منحة، وليست توزيعات مجانية، وليست لإرضاء المستقطبين، بل هي انعكاسات تعاقدية ولائحية يجب أن يكون الالتزام بها مقدسا مثل الالتزام بالنظام نفسه، ويجب عدم إضافة أي مجالس لا يفسرها نظام المنشأة، ذلك أنه في المثال الذي أشرت إليه، يجب أن يكون هنا مجلس رقابي مثلما هناك مجلس مديرين، وهذا سيتسبب في مزيد من الفوضى الإدارية في ظل وجود مجلس إدارة أعلى من كلا المجلسين، وعدم وجود مثل هذه المجالس يجعل من الصعب فهم وجود هذه المسميات في الهياكل التنظيمية. على هذا الأساس، فإنني أطالب وزارة الموارد البشرية بأن تعمل على حوكمة المسميات الإدارية في الجهات المختلفة، كما أنه يجب على الشركات تقنين هذه المسألة بشكل جدي، فالمسألة ليست دون أثر وانعكاسات على الاقتصاد، خاصة بنود الرواتب.
إنشرها