Author

هل سيعيد لقاح كورونا العافية إلى أسواق النفط؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد

يستبشر الناس خيرا بورود الأنباء السارة عن قرب تدشين حملات تلقيح واسعة على مستوى بعض الدول للوقاية من فيروس كورونا الخبيث والمخيف، بيد أن الحصول على التطعيم يأخذ مديات أبعد من الصحة العامة، لأن الغبطة التي ننشدها كبشر تتلقفها الشركات وأسواق المال والأسهم والبضائع والعملات أيضا. في مجالي الإدارة والاستراتيجية والدراسات التنظيمية، هناك نظرية تقول: "إن الأسواق والشركات والاقتصاد بصورة عامة لها من الشبه كثير بالإنسان وسلوكه وطريقة تصرفه في الأفراح والأتراح وتأقلمه مع الطبيعة والبيئة والأزمات".
وأنا أرقب الأسواق واضعا نصب عيني سوق النفط العالمية، تذكرت هذه النظرية. بصورة عامة كانت الأسواق كأنها تعيش معنا تنتعش مع ابتسامتنا وفرحنا لأي أخبار سارة عن انحسار الوباء، وتنكمش وتنطوي عند اشتداد وقع الجائحة. وقد تكون أسواق النفط خير مثال، لأنها الأكثر استجابة لما يقع في العالم من أحداث. وهكذا لم تنحصر المسرة على وجوه الناس للتقارير حول تطوير لقاحات ناجحة، بل بسطت أذرعها على الشركات والأسواق أيضا.
وها هي الحياة تدب في عروق أسواق النفط العالمية، حيث بدأنا نلحظ انتعاشا للأسعار مع انتعاش آمال الناس أن اللقاح ضد وباء كورونا صار على عتبة الباب، وأظن ستكون المسرة بادية على وجوه وزراء النفط للدول المنتجة للطاقة الأحفورية في لقائهم الافتراضي أخيرا، وهم يضعون اللمسات الأخيرة على تصوراتهم عن مسار أسواق النفط العالمية للعام المقبل 2021. وكما أننا بشر قد نواجه معوقات وآثارا جانبية سلبية ونحن نقدم أجسامنا طواعية كي تتقبل لقاحا لم نألفه، كذلك أسواق النفط حيث لا يجوز الركون إلى أن الطريق صوب انتعاش الأسواق النفطية معبدة بالورد وخالية من المطبات.
ولأن النفط هو العماد الرئيس لاقتصادات الدول المنتجة والمستهلكة، تزداد الشهية لخرق أي اتفاق حول حصص الإنتاج في حالتي ارتفاع وهبوط الأسعار. في الأولى هناك الرغبة في تكديس الأرباح، وفي الثانية المسعى الحثيث لتلبية متطلبات الدورة الاقتصادية والميزانية، التي أساسا مبنية على سقف محدد لأسعار النفط، وأن أي سعر ما دونه قد يؤدي إلى خلل في مداخيل الناس والخدمات العامة وغيرها.
ويأتي اجتماع وزراء النفط والأسعار قد ازدادت أكثر من ضعفين بعد انحدارها الشديد فيما يعرف بـ "نيسان الأسود" الشهر الذي أجبر فيه فيروس كورونا القاتل كثيرا من الدول المستهلكة الرئيسة إقفال أغلب نشاطاتها الاقتصادية. ويعد المراقبون "نيسان الأسود" أسوأ شهر في تاريخ الصناعة النفطية. ولم تنقشع غيوم "نيسان الأسود" إلا بعد جهود مضنية بذلتها المملكة لإقناع الدول المنتجة الأخرى على خفض جماعي لإمدادات النفط، بعد أن كادت تترنح أسعار خام غرب تكساس يلامس الصفر وسعر خام بحر الشمال (برنت) كان قد هوى تقريبا إلى ما دون 15 دولارا للبرميل.
المزاج يختلف الآن ولا بد من أن السعر الحالي الذي وصل فيه خام برنت إلى 48 دولارا والنفط الأمريكي صار يقترب من 45 دولارا للبرميل سيدخل البهجة في قلوب وزراء النفط للدول المنتجة.
ويتطلع الوزراء إلى الاحتفاظ بالابتسامة هذه بعد الكرب الذي أمسوا فيه مع اشتداد وقع الجائحة على الاقتصاد العالمي، والنفط في طريقه إلى عتبة الـ 50 دولارا. وهذه عتبة سيكولوجية مهمة فيها من الانتشاء شيء وفيها من القلق شيء أيضا، حيث تكمن الخطورة في أن الأسعار المجزية تثير الرغبة الجامحة لبعض الأعضاء للتنصل من الالتزام بالمعدلات المتفق عليها لخفض الإنتاج دعما لاستقرار الأسعار.
وهنا يكمن السؤال الذي رافق ويرافق أي مقررات اتخذتها اجتماعات وزراء نفط "أوبك" أو التي اتخذها الاجتماع أخيرا، ومحوره يدور حول المدى الذي سيذهبون إليه لتخفيف القيود على الإنتاج، ومن ثم مدى التزام الأعضاء بما سيتفقون عليه.

إنشرها