السلف والمماطلة

يخلط كثير من الناس بين مصطلحي الدين والقرض أو السلف، والحق أن الدين أعم من السلف، لأن الدين هو كل ما ثبت في ذمة الإنسان من ثمن مبيع أو قرض أو أجرة أو غير ذلك، في حين أن القرض أو السلف هو ما ثبت في ذمة الإنسان لاقتراضه مالا من شخص. وتعد آية المداينة أطول آية في القرآن الكريم. وقد شدد الإسلام في أمر الدين ففي الحديث «يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين»، والذي نحن بصدد الحديث عنه هو القرض الحسن أو ما اعتاد الناس على تسميته بالسلف، وهو إقراض شخص شخصا آخر مالا على أن يرده لاحقا دون زيادة أو نقص، ويترك الأمر غالبا دون تحديد مدة معينة، حيث يورد المقرض للمقترض الجملة الشهيرة، "تراه من عسرك ليسرك"، وعادة ما يكون ذلك بين الأقارب أو الأصدقاء أو الجيران، ولا يوجد أي مستند يثبت ذلك عدا الثقة التي يكنها طرف لآخر، وهنا كما يقال مربط الفرس، إذ إن بعض المقترضين لا يكتفي بالمماطلة في التسديد، بل قد يبدي السخط والغضب إذا ما طالبه صاحب الحق بالتسديد، ضاربا بعرض الحائط وجوب الإحسان في رد الجميل. وهذا الأمر - وبكل أسف - دعا كثيرا من الناس إلى الإحجام عن أي سلفة مهما كان مبلغها - رغم مقدرتهم على ذلك - حفاظا على أموالهم من جهة ومن جهة أخرى للحفاظ على الود مع القريب أو الصديق متذكرين المثل، "إذا أردت أن تخسر صديقك فسلفه من مالك". يعلم كثير من الناس أن إقراض المحتاج هو أمر محمود وقربة يتقرب بها المقرض إلى الله - سبحانه وتعالى - لما فيها من تفريج كربة أو إعانة على أمر قد يكون طارئا أو محرجا للمقترض، ويدخل في إطار التكافل الاجتماعي. وهنا تكون الفائدة للطرفين لأن الاقتراض قد يحتاج إليه حتى الأغنياء أحيانا، ما يزيد الحب والألفة بين الجميع. وإني لأنصح كلا من المقرض والمقترض أن يحررا عقدا بينهما حتى مع توافر الثقة وذلك درءا للحرج. وأخيرا، يكفي المقرض شرفا قول الحق - سبحانه - «من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة.. الآية»، وقوله - عليه الصلاة والسلام - «.. ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته».

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي