أخبار اقتصادية- عالمية

مع قرب إطلاق "ليبرا" .. هل تغير "فيسبوك" قواعد اللعبة في سوق العملات الرقمية؟

مع قرب إطلاق "ليبرا" .. هل تغير "فيسبوك" قواعد اللعبة في سوق العملات الرقمية؟

زوكربيرج مؤسس «فيسبوك » خلال جلسة استماع في الكونجرس العام الماضي بشأن عملة ليبرا.

بعد جدل دام لأعوام بشأن العملة المشفرة "ليبرا" المعروفة باسم عملة "فيسبوك"، تتوارد الأنباء بشأن إطلاقها في شهر كانون الثاني (يناير) من العام المقبل.
العملة التي يقف خلفها نحو 27 مؤسسة وشركة دولية وتضم بين أعضائها موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي، كانت قد أثارت منذ اللحظة الأولى لإعلان "فيسبوك" رغبته في إطلاقها، جدلا ونقاشا حادا حول جدوى الفكرة، وأهميتها، وأبعادها، ومدلولاتها، وآفاقها المستقبلية، وتأثيرها في سوق العملات المشفرة والافتراضية حول العالم.
المعلومات التي سربت إلى الأسواق العالمية حتى الآن، وتحديدا من قبل رابطة "ليبرا" ذكرت أن المشروع سيكون على الأرجح محدودا مقارنة بخطته وطموحاته السابقة، وأن الرابطة لن تطلق "ليبرا" فقط، إنما ستنشئ عدة عملات مستقرة مدعومة بالعملات الرئيسة مثل الدولار واليورو والجنيه الاسترليني، إضافة إلى عملة تعتمد على سلة من العملات، والعملة المستقرة هي أيضا عملة مشفرة لكن قيمتها السوقية ترتبط بمصدر خارجي مثل الدولار.
وفي الواقع فإن عملة "ليبرا" ومنذ الإعلان عن تشكيل رابطتها في منتصف العام الماضي، وهي تواجه أوضاعا غير مستقرة، أدت إلى تغييرات في أهدافها ونطاقها، خاصة مع انسحاب ما يقدر بربع عدد الأعضاء المؤسسين من الرابطة، وكان من بينها موقع eBay وفيزا كارت، وماستر كارد، وباي بال، وفودافون.
الانسحاب من المشروع بما تضمنه ذلك من تغيرات في الخطط والأهداف ولو جزئيا، لم يمنع "فيسبوك" من الإصرار على المضي قدما لإصدار "ليبرا"، مؤكدا مع كل انسحاب أنه يأمل أن يكون لديه ما يصل إلى مائة شريك بحلول الوقت المقرر لإطلاق عملته، مدركا أن أعضاء الجمعية التأسيسية قد يتغيرون مع مرور الوقت.
من المنطقي أن تعرف اسم العملة المشفرة "ليبرا" باسم عملة "فيسبوك"، فالفكرة إحدى بنات أفكار شركة فيسبوك وتحديدا مارك زوكربيرج الرئيس التنفيذي للشركة، وقد بررت رابطة "ليبرا" الهدف من إطلاق تلك العملة في وقت تزخر فيه الأسواق الدولية بالعملات المشفرة، بأن "ليبرا" تهدف إلى تمكين مليارات الأشخاص، حيث يوجد 1.7 مليار شخص بالغ حول العالم ليس لديهم حسابات مصرفية، وتلك العملة ستمكنهم من القيام بعمليات الشراء والبيع عبر الإنترنت".
لكن مارك زوكربيرج كان أكثر صراحة ووضوحا في الاجتماع السنوي للمساهمين في شركته في شهر أيار (مايو) الماضي، حيث لم يخف أهمية العملة لشركته باعتبارها وسيلة تساعد على تحقيق مزيد من الأموال، وعدّ تقديم عملة مشفرة جديدة وأدوات أخرى للمتاجر عبر الإنترنت سيجعل التجارة أكثر فاعلية للشركات، وبالتالي يؤدي إلى ارتفاع أسعار الإعلانات، الأمر الذي سيفيد "فيسبوك" ماليا وفقا لتصريحاته.
من جهته، يقول لـ"الاقتصادية" دي. مريك الخبير المصرفي، "فكرة أن تمتلك "فيسبوك" عملتها الخاصة ليست فكرة جديدة أو وليدة الساعة، فالشركة كان لديها دائما اهتمامها الخاص بالنقد الرقمي، فقد أدارت الشركة عملة افتراضية تسمى "كريدتس" لمدة أربعة أعوام تقريبا كوسيلة لتسديد المدفوعات على الألعاب التي يتم إدخالها لـ"فيسبوك"، لكن "ليبرا" تحدث نقلة نوعية في المفهوم إذ تجعل إرسال الأموال عبر الإنترنت بسيطا مثل إرسال الصور، وقد صممت لتحقيق ذلك، ما يجذب مستخدمين جددا للموقع، وسيكون الإعلان على موقع فيسبوك مرغوبا أكثر، بفضل تلك العملة، ومن ثم سيزداد الطلب على الإعلانات وترتفع معه الأسعار".
لكن مريك يشير إلى أن الجدل الذي ستشهده الفترة الأولى من عمر "ليبرا" بعد إطلاقها سيتعلق في الأساس بمدى سيطرة "فيسبوك" على العملة الجديدة، ويعتقد أن "فيسبوك" لن تفرض سيطرتها عليها لأنها عضو ضمن مجموعة أعضاء في رابطة ليبرا، وهي مؤسسة غير ربحية ستعمل كسلطة نقدية بحكم الواقع العملي للعملة الجديدة، فالمخطط أن يكون لكل عضو من الأعضاء الـ27 قوة التصويت نفسها في الجمعية التي يقع مقرها الرئيس في سويسرا، ولذلك فنيا لن يكون لشركة فيسبوك أي رأي في قرارات الجمعية أكثر من أي عضو آخر.
ولا يزال عديد من التساؤلات يطرح بشأن عملة فيسبوك المشفرة "ليبرا"، فما الفرق بينها وبين غيرها من العملات المشفرة، وعلاقاتها بالدولار، والأهم بالطبع كيف سيؤثر طرحها في الأسواق في التوازنات الحالية في سوق العملات المشفرة والافتراضية، وتحديدا كيف ستؤثر في أسعار العملة الرئيسة في سوق العملات الافتراضية "بيتكوين"؟
آدم ديفيد الخبير المالي في بورصة لندن يشير إلى أن أبرز جوانب التشابه بين "ليبرا" وغيرها من العملات المشفرة مثل "بيتكوين" أن جميع تلك العملات موجودة بالكامل في شكل رقمي، ولن تحصل عليها في شكل نقود ورقية أو عملة معدنية، و"ليبرا" مثل جميع العملات المشفرة سيتم تسجيل معاملاتها فيما يعرف بسلسلة البيانات الرقمية المشفرة والمكونة من ملفات تتضمن بيانات المعاملات، وبالنسبة إلى عملة ليبرا فإن "سلسلة الكتلة" أو "البلاك تشين" الخاصة بها ستتم إداراتها من قبل الأعضاء المؤسسين في المراحل المبكرة، لكن من المفترض أن يتطور ذلك إلى نظام مفتوح بالكامل في المستقبل.
لكن جوانب التشابه لا تنفي وجود ملامح مختلفة لـ"ليبرا" عن العملات الافتراضية الأخرى، فـ"ليبرا" سيتم ربطها بأصول حقيقية، ما يدخلها ضمن فئة العملة المستقرة، وبذلك تتناقض مع "بيتكوين" أو "إيثر" وبعض العملات المشفرة الأخرى التي لا يدعمها أي شيء وتتأرجح بشكل كبير استجابة للأسواق.
ويواصل موضحا أن الخطة الأولية لـ"ليبرا" كانت تقوم على استخدام سلة من الأصول لترسيخ قيمة العملة الرقمية الجديدة، لكن الرابطة لم تذكر ما ستكون عليه هذه الأصول، واكتفت بالإشارة إلى أنها ستكون مقومة بعملات عالمية رئيسة مثل الدولار واليورو، التي لا تتقلب بشكل يومي كبير، وستقوم الرابطة بشراء مزيد من الأصول الأساسية "مساهمات الأعضاء" لإنشاء العملة الجديدة أو "سكها" عندما يزداد الطلب على "ليبرا".
لا شك أن هذا النهج ربما يضفي على "ليبرا" ثقلا في الأسواق ويعزز مكانتها ويجعلها تتمتع بثقة أكثر من منافسيها، فالدولار الأمريكي يتمتع بثقة دولية ومقبول من الجميع، لكن هذا لن ينفي أن المخاوف المرتبطة بفكرة العملات المشفرة ذاتها ستظل تلاحق "ليبرا" إلى حد كبير، فهذا النوع من النقد لا يستخدم على نطاق واسع، رغم تزايد القبول عليه في الآونة الأخيرة، وقيمة العملات المشفرة متقلبة وغالبا ما ترتفع أو تنخفض بنحو 5 في المائة يوميا، ما يجعل من الصعب التعرف على قيمتها طويلة الأجل.
مع هذا تعلق راشيل تيم المحللة المالية في شركة "هيفي بروجيكت" للتجارة في العملات المشفرة بالقول، "نقطة الضعف الرئيسة في "ليبرا" ربما تتمثل في القلق بأن تكون تلك العملة وسيلة من قبل "فيسبوك" للحصول على البيانات المالية للمتعاملين، وإرسال مزيد من الإعلانات التي تستهدفهم، خاصة أن هناك عديدا من علامات التساؤل حول مدى حماية الخصوصية في الموقع، و"فيسبوك" يدرك التأثير السلبي لتلك الشكوك على الإقبال على "ليبرا"، ولهذا يحرص على التأكيد أن محفظته كانت موجودة دائما في شركة تابعة للشبكة الاجتماعية، وأن هذا الترتيب صمم للسماح بأكبر قدر ممكن للتعاون مع السلطات لمنع غسل الأموال والجرائم المالية الأخرى، كما أن "فيسبوك" أكدت رسميا ولتحفيز الطلب على "ليبرا"، أنها ستبقي البيانات المالية للمستخدمين منفصلة عن بياناتهم الاجتماعية".
وإذا أصبحت "ليبرا" حقيقة واقعة مع بداية العام الجديد فمن المؤكد أنها ستؤثر في كل من أسواق الفوركس والعملات المشفرة، ففي سوق مالية تعمل بشكل كبير على علاقات العرض والطلب بين العملات، يمكن أن تصبح "ليبرا" قوة لا مفر منها في تداول العملات، فبمجرد أن تكتسب اعتمادا دوليا كافيا، يمكن أن تفرض زيادات في أسعار الفائدة للعملات الورقية المستبعدة من سلة "ليبرا"، كما يمكن أن تؤدي إلى ضغط تصاعدي على أسعار الصرف بما يؤثر في أسعار العملات، ونتيجة لذلك ربما يزيد الطلب على العملات التي تدعم "ليبرا"، وسترتفع أسعارها وتنخفض معدلات عائدها.
ويبدو هذا السيناريو أكثر توقعا في الأسواق الناشئة، خاصة أنه من المرجح ألا تطلق "فيسبوك" عملتها في الدول المتقدمة أولا، حيث ستكون السوق المستهدفة هي المستخدمين الذين لا يمكنهم الوصول إلى الخدمات المالية الأكثر بدائية مثل الحساب المصرفي.
بدورها، تقول لـ"الاقتصادية" تريسي فيل الباحثة في بنك إنجلترا، "رابطة ليبرا التي ستعمل كبنك مركزي لشبكة الدفع ذكرت أنها غير مهتمة بالمشاركة في مجال صنع السياسة النقدية العالمية، لكن "ليبرا" قد تؤثر بشكل غير مباشر في قدرة المؤسسات المالية على العمل المعتاد، إذ يمكن أن يجعل تحويل العملات السيادية الأقل استقرارا إلى عملة ليبرا، الأوضاع أكثر صعوبة على البنوك المحلية عند تقديم الائتمان".
وتضيف، "في البداية لن يتغير أي شيء جذري عند بدء استخدام "ليبرا"، وستظل أسعار السلع والخدمات والأجور محددة في الاقتصادات التي ستستخدم "ليبرا" بالعملة المحلية، ومع ذلك قد يأتي وقت قد تصبح فيه العملة الرقمية أكثر من مجرد أداة للمعاملات".
لكن بعضا من أنصار العملات المشفرة يرحبون بطرح "ليبرا" في الأسواق، إذ يعتقدون أنها ستجدد اهتمام المستثمرين بالعملات المشفرة بشكل عام، لكن تأثيرها في أسعار العملات المشفرة وتحديدا "بيتكوين" محل جدل.
الدكتور آر. إس. وايت أستاذ النقود والبنوك في جامعة ليدز يرى أن الاختلافات الجوهرية في مفهوم "ليبرا" مقارنة بـ"بيتكوين" تجعل "ليبرا" ليس أكثر من اختلاف في النظام المالي التقليدي.
ويقول لـ"الاقتصادية"، "لن تكون لـ"ليبرا" تأثيرات كبيرة في أسعار منافسيها من العملات المشفرة خاصة "بيتكوين" في الأجل الطويل".
لكن مجموعة أخرى من أنصار العملات المشفرة ورغم دعوتهم إلى الانتظار حتى يتم التعرف بشكل أكثر دقة على كيفية تفاعل الأسواق مع العملة المشفرة ليبرا، لا ينفون تخوفهم من أن يكون طرحها في الأسواق بداية لتراجع الطلب على العملات المشفرة الأخرى، حيث يقف خلفها عدد من أكبر الشركات في العالم وفي مقدمتها بالطبع "فيسبوك"، ما يوجد ميلا تلقائيا في الأسواق ومن قبل المضاربين لتفضيل تلك العملة المشفرة والأكثر أمنا عند مقارناتها بمنافسيها من العملات المشفرة الأخرى مثل "بيتكوين"، ما يؤدي حتما وعلى المدى الطويل إلى تراجع الطلب على العملات المشفرة الأخرى لمصلحة "ليبرا".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية