Author

مجموعة العشرين ومساعي إزالة الكربون

|
ترحب مجموعة الفكر (T20) بتبني وزراء الطاقة مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، حيث يمثل الوقود الأحفوري أكثر من 80 في المائة من إمدادات الطاقة لمجموعة العشرين (G20) ما يشكل تحديا أمام الدول الأعضاء من تحجيم كمية الكربون الناتج عن تراكم الوقود الأحفوري في الغلاف الجوي.
تشكل عملية إزالة الكربون مكونا رئيسا في جهود مكافحة تغير المناخ. والهدف من هذه العملية بسيط وهو الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون حول العالم في أقرب وقت ممكن. تتطلب عملية إزالة الكربون تطبيق منهجية التغيير الشامل ثم اتخاذ بعض الخطوات الإضافية، والانتقال في إدخال التغييرات من صناعة إلى صناعة ومن عملية إلى عملية في كل بلد رئيس في العالم. ولا شك أن منهجية كهذه ستكون تكلفتها باهظة، لكن المجتمع العلمي العالمي يتفق على أنه لتجنب كارثة عالمية، ليس لدينا خيار سوى حشد الجهود ومواجهة هذا التحدي الضخم.
وعندما يثار موضوع إزالة الكربون تكون أشكال الطاقة المتجددة وأخبار السيارات الكهربائية هي الموضوعات الأكثر شيوعا في المناقشات. ولكن هناك قطاعات رئيسة أخرى لا تتم مناقشتها كثيرا على الرغم من أن إدخال بعض التغييرات فيها لها الأهمية نفسها في عملية إزالة الكربون من كوكب الأرض. وسنتناول اليوم ثلاثة قطاعات منها، هي: الأسمنت، والصلب، والزراعة. وتتسبب هذه القطاعات الثلاثة مجتمعة فيما يقرب من 40 في المائة من جميع انبعاثات الكربون في العالم.
نتحدث أولا عن قطاع الأسمنت، والأسمنت هو أكثر مادة بشرية الصنع مستعملة على نطاق واسع في الوجود. وبدأ استخدام الأسمنت منذ آلاف السنين لبناء هياكل مثل البانثيون والقنوات الرومانية والطرق السريعة وكثير من مواقف السيارات في جميع أنحاء العالم. وتعد عملية إنتاج الأسمنت على الصعيد العالمي مسؤولة عن 7 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الأساليب المتبعة في إنتاج الأسمنت.
المكون الرئيس للأسمنت مادة تسمى الكلنكر، ولإنتاج هذه المادة يلزم تسخين الحجر الجيري إلى درجات حرارة عالية، وعادة ما تتولد هذه الحرارة عن طريق حرق الوقود الأحفوري، ما يؤدي إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون. وفي الوقت نفسه تطلق التفاعلات الكيميائية داخل الفرن مزيدا من ثاني أكسيد الكربون. وتعمل بعض الشركات على تقليل كمية الكلنكر المستخدمة، بينما تقوم شركات أخرى باختبار بدائل للكلنكر مثل الرماد المتطاير - وهو البقايا العالقة بمداخن أفران حرق الفحم - أو الخبث الناتج عن إنتاج الحديد. لكن عيوب هذه البدائل خطيرة لأنها تتطلب تقنيات جديدة تزيد تكلفتها أحيانا على ثلاثة أضعاف تكلفة عملية الإنتاج التقليدية. ونظرا للاستخدام الواسع للأسمنت في تشييد أغلبية الهياكل في العالم، فإن الوصفات البديلة تثير القلق لدى مقاولي البناء والمسؤولين عن أنشطة البناء على حد سواء.
وننتقل الآن إلى قطاع الصلب، ويجب أن ندرك أن الصلب لا يقل أهمية عن الأسمنت، ومع نمو المدن فمن المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي عليه 50 في المائة بين عامي 2019 و2050. وتتضمن عملية إنتاج الصلب تنقية خام الحديد في أفران الصهر باستخدام شكل مكرر من الفحم يسمى فحم الكوك. ومثله مثل الأسمنت تتولد عن إنتاج الصلب كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون. في أوروبا يختبر أصحاب الأفران العالية استخدام الهيدروجين كطريقة بديلة لإخراج الكربون من خام الحديد. ولكن مرة أخرى - وإلى الآن - يعد التحول عن الاتجاه السائد لإنتاج الصلب مكلفا للغاية، حيث يبلغ نحو ضعف تكلفة استخدام فحم الكوك. وجدير بالذكر أن هناك أمرا واحدا يمكن فعله مع الصلب لا يمكن فعله مع الأسمنت ألا وهو إعادة التدوير، فبدلا من إنتاج مزيد من الصلب الجديد يمكن استخدام ما سبق إنتاجه. وينظر حاليا إلى التوسع في إعادة تدوير الصلب على أنه أمر بالغ الأهمية لتقليل انبعاثات الكربون.
أما القطاع الثالث فهو قطاع الزراعة، وتتطلب معالجة هذا القطاع حاليا جهودا متعددة الجوانب، حيث إن الزراعة مسؤولة عما يقرب من 25 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية. ومن أجل إحداث تأثير سلبي في إنتاج الكربون من قطاع الزراعة يجب معالجة عدة أمور مثل ممارسات حرق المخلفات بعد الحصاد، واستخدام الأسمدة غير العضوية التي تطلق غاز الميثان وأكسيد النيتروز في الهواء، وتدمير الغابات المطيرة من أجل تربية الماشية، بل الغازات المنبعثة من بطون الماشية. ويأتي بعض الأمل من الولايات المتحدة، حيث انخفض الطلب على منتجات لحوم البقر بشكل كبير. إضافة إلى ذلك شهدت الأعوام الأخيرة هناك زيادة الاهتمام بالبدائل النباتية لمنتجات اللحوم. لكن يظل تنفيذ هذه الحلول على الصعيد العالمي معركة شاقة.
وتواصل جلسات مجموعة العشرين (G20) مناقشة ما تم إحرازه من تقدم كبير في الانتقال إلى أنظمة الطاقة الأقل انبعاثا للكربون على الرغم من وجود عديد من التحديات. في الواقع يستلزم الأمر من واضعي السياسات ومن الشركات أعواما من العمل الدؤوب والتعاون لنقل الصناعة بعيدا عن أساليبها الملوثة للبيئة.
إنشرها